(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) تقاتلوا. والجمع باعتبار المعنى ، فإنّ كلّ طائفة جمع. (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) بالنصح والدعاء إلى حكم الله (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) تعدّت (عَلَى الْأُخْرى) أي : فمالت على الاخرى ، ظالمة لها ، متعدّية عليها (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) لأنّها هي الظالمة المتعدّية دون الاخرى (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) ترجع إلى حكم الله ، أو ما أمر به. من الفيء بمعنى الرجوع. وقد سمّي به الظلّ والغنيمة ، لأنّ الظلّ يرجع بعد نسخ الشمس ، والغنيمة ما يرجع من أموال المشركين إلى المسلمين.
(فَإِنْ فاءَتْ) رجعت إلى طاعة الله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بالفصل بينهما على حكم الله حتّى يكونوا سواء ، لا يكون من إحداهما على الاخرى جور فيما يتعلّق بالضمانات والأروش. وتقييد الإصلاح بالعدل هاهنا لأنّه مظنّة الحيف ، من حيث إنّه بعد المقاتلة.
ثمّ أمر باستعمال القسط على طريق العموم ، بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين ، فقال :(وَأَقْسِطُوا) واعدلوا في كلّ الأمور. من القسط بالفتح بمعنى الجور. ومنه : القسط ، وهو اعوجاج في الرجلين. فـ «أقسط» همزته للسلب ، أي : أزال القسط.
وأمّا القسط بالكسر بمعنى العدل. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يحمد فعلهم بحسن الجزاء.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يا بن أمّ عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمّة؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسّم فيئها».
والآية تدلّ على أنّ الباغي مؤمن. وأنّه إذا قبض عن الحرب ترك ، كما جاء في الحديث ، لأنّه فاء إلى أمر الله. وأنّه يجب معاونة من بغى عليه بعد تقديم النصح