(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) ملكان أحدهما يسوقه ، والآخر يشهد بعمله. أو ملك جامع للوصفين ، كأنّه قيل : معها ملك يسوقها ويشهد عليها.
وقيل : السائق نفسه أو قرينه ، والشهيد جوارحه أو أعماله ، فلا يجد إلى الهرب ولا إلى الجحود سبيلا. ومحلّ «معها» النصب على الحال من «كلّ» ، لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة ، للاستغراق الّذي يفيد التخصيص.
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) على إضمار القول. والخطاب لكلّ نفس ، إذ ما من أحد إلّا وله اشتغال مّا عن الآخرة. (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) حاجبك لأمور المعاد وخاسئك (١) عنها. وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات ، والألف بها ، وقصور النظر عليها. فإذا كان يوم القيامة تيقّظ وزالت عنه هذه الغفلة وغطاؤها ، فيبصر ما لم يبصره من الحقّ ، ويرجع بصره الكليل عن الإبصار ـ لغفلته ـ حديدا لتيقظّه ، كما قال : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) حادّ نافذ لا يدخل عليه شبهة ، لزوال المانع للإبصار. ولا شبهة أنّ الأمور العقليّة والسمعيّة لا تكون كالمشاهد المحسوس ، فشبّه الله تعالى الغفلة الموصوفة بغطاء غطّى الإنسان جسده كلّه ، أو بغشاوة غطّى بها عينيه ، فهو لا يبصر شيئا.
وقيل : الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. والمعنى : كنت في غفلة من أمر الديانة ، فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن ، فبصرك اليوم حديد ، ترى ما لا يرون ، وتعلم ما لا يعلمون.
وعن ابن عبّاس : هو خاصّ بالكافر ، أي : فأنت اليوم عالم بما كنت تنكره في الدنيا.
ويؤيّد الأوّل سوق الكلام السابق ، وقراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس.
__________________
(١) خسئ : بعد. وخسأ البصر : كلّ وأعيا.