لما سجدت له ، لأنّه مثلي ، فكيف أسجد لمن هو أدنى؟ لأنّه من طين ، والنار تغلب الطين وتأكله. وأيضا النار جسم لطيف نورانيّ ، والطين جسم كثيف ظلماني. وهذه الجملة جرت مجرى عطف البيان من الجملة الأولى.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من الجنّة ، أو من السماء. وقيل : من الخلقة الّتي أنت فيها ، لأنّه كان يفتخر بخلقته ، فغيّر الله خلقته فاسودّ بعد ما كان أبيض ، وقبح بعد أن كان حسنا ، وأظلم بعد ما كان نورانيّا. (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مرجوم مطرود من الرحمة ومحلّ الكرامة. وأصل الرجم : الرمي بالحجارة.
(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ليس معناه : أنّ لعنة إبليس غايتها يوم الدين ثمّ تنقطع. وكيف تنقطع ، وقد قال الله سبحانه : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١). بل المعنى : أنّ عليه اللعنة في الدنيا ، فإذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة ما ينسى عنده اللعنة الدنيويّة ، فكأنّها انقطعت.
(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فأخّرني إلى يوم يحشرون للحساب.
وهو يوم القيامة. (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) المؤخّرين (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) الوقت الّذي تقع فيه النفخة الأولى. ويومه : اليوم الذي وقتها جزء من أجزائه.
فالإضافة هي إضافة الكلّ إلى جزئه. ومعنى «المعلوم» أنّه معلوم عند الله معيّن لا يستقدم ولا يستأخر.
(قالَ فَبِعِزَّتِكَ) فبسلطانك وقهرك على جميع خلقك (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يعني : بني آدم كلّهم (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الّذين أخلصوا قلوبهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بفتح اللام ، أي : الّذين أخلصهم الله تعالى لطاعته ، وعصمهم من الضلالة.
__________________
(١) الأعراف : ٤٤.