(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ذكر «كلّ» للإحاطة ، و «أجمعون» للاجتماع. فأفادا معا أنّهم سجدوا عن آخرهم ، ما بقي منهم ملك إلّا سجد ، وأنّهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرّقين في أوقات.
(إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ) تعظّم (وَكانَ) وصار (مِنَ الْكافِرِينَ) باستنكاره أمر الله ، واستكباره عن المطاوعة. أو كان منهم في علم الله. وإبليس وإن لم يكن من الملائكة بل من الجنّ ، إلّا أنّه قد أمر بالسجود معهم ، فغلّبوا عليه في قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ). ثمّ استثني كما استثني الواحد منهم استثناء متّصلا. وتفصيل ذلك أيضا قد مرّ في البقرة.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) تولّيت خلقه بنفسي من غير توسّط ، كأب وأمّ. والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة. وقد سبق أنّ ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه ، فغلّب العمل باليدين على سائر الأعمال الّتي تباشر بغيرهما ، حتّى قيل في عمل القلب : هو ممّا عملت يداك ، وحتّى قيل لمن لا يدين له : فعلت يداك كذا وكذا ، وحتّى لم يبق فرق بين قولك : هذا ممّا عملته يداك ، وهذا ممّا عملته. وإطلاق لفظ اليد على القدرة والقوّة والقوّة في كلام العرب شائع.
وترتيب الإنكار على قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) للإشعار بأنّه المستدعي للتعظيم ، أو بأنّه الّذي تشبّث به في تركه ، وهو لا يصلح مانعا ، إذ للسيّد أن يستخدم بعض عبيده لبعض ، سيّما وله مزيد اختصاص.
(أَسْتَكْبَرْتَ) تكبّرت من غير استحقاق (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) ممّن علا واستحقّ التفوّق. وقيل : استكبرت الآن ، أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين؟
(قالَ) أي : أجاب إبليس بإظهار المانع (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ثمّ استدلّ على المانع بقوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) أي : لو كان مخلوقا من نار