(إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : لأنّما أنا نذير. يعني : ما يوحى إليّ إلّا للإنذار ، فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه. كأنّه لمّا نبّه على أنّ الوحي يأتيه ، بيّن بذلك ما هو المقصود به تحقيقا لقوله : إنّما أنا منذر. ويجوز أن يرتفع «أنّما» بإسناد «يوحى» إليه ، أي : ما يوحى إليّ إلّا أن أنذر وأبلّغ ، ولا أفرط في ذلك ، أي : ما اومر إلّا بهذا الأمر وحده ، وليس إليّ غير ذلك.
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) بدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) مبيّن له ، فإنّ القصّة الّتي دخلت عليها «إذ» مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس في خلق آدم ، واستحقاقه للخلافة والسجود ، على ما مرّ في سورة البقرة (١). غير أنّها اختصرت اكتفاء بذلك ، واقتصارا على ما هو المقصود منها ، وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم.
ومن الجائز أن يكون مقاولة الله إيّاهم بواسطة ملك ، فكأنّ المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسّط ، فصحّ أنّ التقاول كان بين الملائكة وآدم وإبليس ، وهم الملأ الأعلى. والمراد بالاختصام التقاول ، على ما سبق. وأن يفسّر الملأ الأعلى بما يعمّ الله والملائكة.
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ) عدّلت خلقته ، بأن تمّمت أعضاءه ، وصوّرته على وجه الكمال (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وأحييته بنفخ الروح فيه. وإضافته إلى نفسه لشرفه وطهارته. (فَقَعُوا لَهُ) فخرّوا له (ساجِدِينَ) تكرمة وتبجيلا له. وقد مرّ الكلام فيه في البقرة (٢).
__________________
(١) راجع ج ١ ص ١٢٠ ـ ١٣٠.
(٢) راجع ج ١ ص ١٢٠ ـ ١٤٢ ، ذيل الآيات ٣٠ ـ ٣٨ من سورة البقرة.