وقوله : (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) صفتان للتأكيد ، كقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (١). أو «الأخرى» من التأخّر في الرتبة ، أي : الوضيعة المقدار ، كقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) (٢) أي : وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأوّليّة والتقدّم عندهم للات والعزّى.
روي : أنّهم كانوا يقولون : إنّ الملائكة وهذه الأصنام بنات الله ، وكانوا يعبدونهم ، ويزعمون أنّهم شفعاؤهم عند الله ، مع وأدهم البنات. فقال الله سبحانه إنكارا عليهم : إنّ اللات والعزّى ومناة إناث ، وقد جعلتموهنّ لله شركاء ، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث ، وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم ، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله وتسمّونهنّ آلهة؟! (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) أي : كيف يكون ذلك كذلك وأنتم لو خيّرتم لاخترتم الذكر على الأنثى؟! فكيف أضفتم إليه سبحانه ما لا ترضونه لأنفسكم؟! (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) جائرة ، حيث جعلتم له ما تستنكفون منه. وهي فعلى بالكسر ، من : ضاز يضيز ضيزا ، إذا ضامه (٣) وجاره. والأصل : ضوزى بالضمّ ، ففعل بها ما فعل ببيض لتسلم الياء ، فإنّ فعلى بالكسر لم تأت وصفا. وقرأ ابن كثير بالهمزة ، من : ضأزه إذا ظلمه ، على أنّه مصدر نعت به.
(إِنْ هِيَ) ما الأصنام باعتبار الألوهيّة (إِلَّا أَسْماءٌ) تطلقونها عليها ، لأنّكم تقولون إنّها آلهة ، وليس فيها شيء من معنى الألوهيّة. ويجوز أن يكون الضمير للصفة ، أي : ما الصفة إلّا الأسماء خالية عن معنى الصفة المذكورة. أو للأسماء ، وهي قولهم : اللات والعزّى ومناة ، فإنّهم يقصدون بها أنّه الإله. والحاصل : أنّهم كانوا
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.
(٢) الأعراف : ٣٨.
(٣) ضامه : ظلمه. من : ضام يضيم ضيما.