وقيل : تهديد مستعار من قولك لمن تهدّده : سأفرغ لك. تريد : سأتجرّد للإيقاع بك من كلّ ما يشغلني عنك حتّى لا يكون لي شغل سواه. والمراد : التوفّر على النكاية فيه والانتقام منه ، فإنّ المتجرّد للشيء كان أقوى عليه وأجدّ فيه.
وقرأ حمزة والكسائي بالياء. والثقلان : الإنس والجنّ. سمّيا بذلك لثقلهما على الأرض ، أو لرزانة رأيهما وقدرهما ، أو لأنّهما مثقلان بالتكليف.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) من جملتها إعلامكم الحساب والجزاء ، لتتهيّئوا في أعمال الخير ، وتجتنبوا عن أفعال الشرّ.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) كالترجمة لقوله : «أَيُّهَ الثَّقَلانِ» (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين من الموت ، أو فارّين من قضائه وقدره. يقال : نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه ، كالسهم ينفذ من الرمية. (فَانْفُذُوا) فاخرجوا. ثمّ قال : (لا تَنْفُذُونَ) لا تقدرون على النفوذ (إِلَّا بِسُلْطانٍ) إلّا بقوّة وقهر وغلبة ، وأنّى لكم ذلك؟ فإنّكم حيث توجّهتم فثمّ ملكي وسلطاني.
بيّن سبحانه بذلك أنّهم في حبسه ، وأنّه مقتدر عليهم لا يفوتونه. وجعل ذلك دلالة على توحيده وقدرته ، وزجرا لهم عن معصيته ومخالفته. ونحوه : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (١).
روي : أنّ الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق ، فإذا رآهم الجنّ والإنس هربوا ، فلا يأتون وجها إلّا وجدوا الملائكة أحاطت به.
وقيل : المعنى : إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السماوات والأرض فانفذوا لتعلموا ، لكن لا تنفذون ولا تعلمون إلّا ببيّنة نصبها الله ، فتعرجون عليها بأفكاركم.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي : من التنبيه والتحذير ، والمساهلة والعفو مع
__________________
(١) العنكبوت : ٢٢.