(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وهو آدم عليهالسلام (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) يعني : حوّاء ، من ضلع من أضلاعه. وقيل : من فضل طينته. وفي خلق الإنسان ثلاث دلالات : خلق آدم أوّلا من غير أب وأمّ. ثمّ خلق حوّاء من ضلعه الأسفل الّذي هو أقصر الأضلاع. ثمّ تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما.
و «ثمّ» للعطف على محذوف هو صفة «نفس» ، مثل : خلقها. أو على معنى «واحدة» أي : من نفس وحدت ، ثمّ جعل منها زوجها ، فشفّعها بها. أو على «خلقكم» لتفاوت ما بين الآيتين ، فإنّ الأولى عادة مستمرّة دون الثانية. فهو من التراخي في الحال والمنزلة ، لا من التراخي في الوجود.
وقيل : أخرج من ظهره ذرّيّته كالذرّ ، ثمّ خلق حوّاء منه. وهذا ضعيف.
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) وقضى لكم أو قسم ، فإنّ قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء ، حيث كتب في اللوح كلّ كائن يكون. أو أحدث لكم بأسباب نازلة ، كأشعّة الشمس والأمطار ، فإنّها لا تعيش إلّا بالنبات ، والنبات لا يقوم إلّا بالماء ، وهو نازل من السماء ، فكأنّه أنزل الأنعام منها. وهذا كقوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) (١) ولم ينزل اللباس ، ولكن أنزل الماء الّذي هو سبب القطن والصوف ، واللباس يكون منهما. فكذلك الأنعام تكون بالنبات ، والنبات يكون بالماء.
(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ذكر أو أنثى ، من الإبل والبقر والضأن والمعز. والزوج : اسم لواحد يكون معه آخر ، فإذا انفرد فهو فرد ووتر. (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) بيان لكيفيّة خلق ما ذكر من الأناسيّ والأنعام ، إظهارا لما فيها من عجائب القدرة ، غير أنّه غلّب أولي العقل ، أو خصّهم بالخطاب ، لأنّهم المقصودون (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) حيوانا سويّا ، من بعد عظام مكسوّة لحما ، من بعد عظام عارية ، من بعد مضغ ، من
__________________
(١) الأعراف : ٢٦.