به. وإمّا بالبعث ، لأنّ من خلق أوّلا لم يمتنع عليه أن يخلق ثانيا.
ثمّ نبّههم سبحانه على وجه الاستدلال على صحّة ما ذكره ، فقال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) أي : ما تقذفونه وتصبّونه في الأرحام من النطف.
(أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) تقدّرونه وتصوّرونه بشرا سويّا (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) فإذا لم تقدروا أنتم وأمثالكم على ذلك فاعلموا أنّ الله سبحانه هو الخالق لذلك ، وإذا ثبت أنّه قادر على خلق الولد من النطفة ، وجب أن يكون قادرا على إعادته بعد موته ، لأنّه ليس بأبعد منه.
ثمّ بيّن سبحانه أنّه كما هو قادر على إبداء الخلق قادر على إماتتهم ، فقال : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) قسّمناه عليكم ، وأقّتنا موت كلّ بوقت معيّن كما تقتضيه مشيئتنا. وقرأ ابن كثير بتخفيف الدال. (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) لا يسبقنا أحد ، فيهرب من الموت أو يغيّر وقته. أو لا يغلبنا أحد ، من : سبقته على كذا إذا غلبته عليه ولم تمكّنه منه.
وقوله : (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) على الأوّل حال ، أو علّة لـ «قدّرنا» ، و «على» بمعنى اللام ، و (ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) اعتراض. وعلى الثاني صلة. والمعنى : لا يغلبني أحد على أن يخلق بدلكم أشباهكم. ويجوز أن يكون الأمثال جمع مثل.
والمعنى : على أن نغيّر صفاتكم الّتي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم.
(وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) في خلق أو صفات لا تعلمونها. يعني : أنّا نقدر على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم ، فكيف نعجز عن إعادتكم؟! (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) حين خلقتم من نطفة وعلقة ومضغة (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) فهلّا تعتبرون وتستدلّون بأنّ من قدر عليها قدر على النشأة الاخرى ، فإنّها أقلّ صنعا ، لحصول الموادّ ، وتخصيص الأجزاء ، وسبق المثال. وهذا قياس منصوص العلّة لا مطلقا.