ثمّ نبّه سبحانه على دلالة أخرى ، فقال : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) تقدحونها وتستخرجونها من الزناد. والعرب تقدح بعودين ، تحكّ أحدهما على الآخر ، ويسمّون الأعلى الزند ، والأسفل الزندة ، شبّهوهما بالفحل والطروقة.
(أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) يعني : الشجرة الّتي منها الزناد (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ).
(نَحْنُ جَعَلْناها) جعلنا نار الزناد (تَذْكِرَةً) يتذكّر بها ويتفكّر فيها ، ليعلم أنّ من قدر عليها وعلى إخراجها من الشجر الأخضر قدر على النشأة الآخرة ، كما مرّ في سورة يس (١). أو تبصرة في أمر المعاش ، حيث علّقنا بها أسباب المعايش كلّها ، وعمّمنا بالحاجة إليها البلوى. أو في الظلام. أو تذكيرا وأنموذجا لنار جهنّم ، فينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به ، لما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ناركم هذه الّتي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنّم».
(وَمَتاعاً) ومنفعة (لِلْمُقْوِينَ) للّذين ينزلون القواء ، وهي القفر. أو للّذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام. من : أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها.
وقيل : للمستمتعين بها من الناس أجمعين ، المسافرين والحاضرين. والمعنى : أنّهم يستضيئون بها في الظلمة ، ويصطلون من البرد ، وينتفعون بها في الطبخ والخبز. وعلى هذا ؛ يكون المقوي من الأضداد. فيكون المقوي هو الّذي صار ذا قوّة من المال والنعمة ، والمقوي أيضا الذاهب ماله ، النازل بالقواء من الأرض. فالمعنى : ومتاعا للأغنياء والفقراء.
__________________
(١) راجع ج ٥ ص ٥٣٥ ، ذيل الآية (٨٠) من سورة يس.