الغواة ليثبت لله ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر ، فقال : هذا من العامّ الّذي أريد به الخاصّ ، وما أراد إلّا عباده الّذين عناهم في قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (١).
وتفصيل المبحث ذكره النيشابوري في تفسيره بهذه العبارة : «قال المعتزلة في قوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) دليل على أنّ الكفر ليس بقضائه ، وإلّا لكان راضيا به. وأجاب الأشاعرة : بأنّه قد علم من اصطلاح القرآن أنّ العباد المضاف إلى الله أو إلى ضميره هم المؤمنون. قال : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ) (٢). (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٣). فمعنى الآية : ولا يرضى لعباده المخلصين الكفر ، وهذا ممّا لا نزاع فيه. أو نقول : سلّمنا أنّ كفر الكافر ليس برضا الله تعالى ، بمعنى أنّه لا يمدحه عليه ، ولا يترك اللوم والاعتراض ، إلّا أنّا ندّعي أنّه بإرادته ، وليس في الآية دليل على إبطاله» (٤). انتهى كلامه.
وأقول : ضعف الجوابين ظاهر :
أما أولا : فلأنّ النيشابوري قال بعد هذا القول بورقة في آية (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) (٥) : «إنّه قد مرّ أنّ العباد في القرآن إذا كان مضافا إلى ضمير الله اختصّ بأهل الإيمان عند أهل السنّة. وعندي لا مانع من التعميم هاهنا» (٦). فظهر من كلامه القدح في الاصطلاح ، والتعميم في العباد.
وذكر بعد هذا الكلام بورقتين في تفسير الآية الكريمة : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (٧) ما يعضده ، حيث جوّز التعميم ، وقدّم
__________________
(١) الحجر : ٤٢.
(٢) الفرقان : ٦٣.
(٣) الإنسان : ٦.
(٤) غرائب القرآن ٥ : ٦١٦.
(٥) الزمر : ١٦ و٥٣.
(٦) غرائب القرآن ٥ : ٦١٦.
(٧) الزمر : ١٦ و٥٣.