النجوة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، فإنّ السرّ أمر مرفوع إلى الذهن ، لا يتيسّر لكلّ أحد أن يطّلع عليه.
(إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) إلّا الله يجعلهم أربعة ، من حيث إنّه يشاركهم في الاطّلاع.
والاستثناء من أعمّ الأحوال. (وَلا خَمْسَةٍ) ولا نجوى خمسة (إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ).
وتخصيص هذين العددين إمّا لخصوص الواقعة ، فإنّ الآية نزلت في تناجي قوم من المنافقين مغايظة للمؤمنين على هذين العددين : ثلاثة وخمسة. وروي عن ابن عبّاس : أنّها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن اميّة ، كانوا يوما يتحدّثون ، فقال أحدهم : أَترى أنّ الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر : يعلم بعضا ، ولا يعلم بعضا. وقال الثالث : إن كان يعلم بعضا فهو يعلم كلّه.
أو لأنّ الله وتر يحبّ الوتر ، والثلاثة أوّل الأوتار. أو لأنّ التشاور لا بدّ له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسّط بينهما ، إلى خمسة إلى ستّة ، ولا يتجاوزون عن الستّة غالبا عرفا عندهم.
(وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) ولا أقلّ ممّا ذكر ، كالواحد والاثنين (وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) ومعنى كونه معهم : أنّه يعلم ما يجري بينهم من التناجي ، ولا يخفى عليه ما هم فيه ، فكأنّه مشاهدهم ومحاضرهم ، وقد تعالى عن المكان. وقرأ يعقوب : ولا أكثر بالرفع ، عطفا على محلّ «من نجوى» ، أو محلّ «ولا أدنى» ، بأن جعلت «لا» لنفي الجنس. (أَيْنَ ما كانُوا) فإنّ علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتّى يتفاوت باختلاف الأمكنة.
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) تفضيحا لهم ، وتقريرا لما يستحقّونه من الجزاء (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لأنّ نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكلّ على سواء.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ