العذاب فأنت تنقذه؟ فكرّرت الهمزة لتأكيد الإنكار والاستبعاد. ووضع (مَنْ فِي النَّارِ) موضع الضمير لذلك ، وللدلالة على أنّ من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه ، لامتناع الخلف فيه ، وأنّ اجتهاد الرسول في دعائهم إلى الايمان سعي في إنقاذهم من النار.
ويجوز أن يكون (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) جملة مستأنفة للدلالة على ذلك ، وللإشعار بالجزاء المحذوف. تقديره : أَفمن حقّ ليه كلمة العذاب فأنت تخلّصه؟ أو كمن وجبت له الجنّة. والمراد بكلمة العذاب قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (١) الآية. وإنّما قال ذلك للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لحرصه على إسلام المشركين. والمعنى : إنّك لا تقدر على إدخال الإسلام في قلوبهم قسرا ، فلا عليك إذا لم يؤمنوا. وهذا كقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) (٢) الآية.
ثمّ بيّن سبحانه ما أعدّ للمؤمنين ، كما بيّن ما أعدّه للكفّار ، فقال :
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) علالي (٣) بعضها فوق بعض (مَبْنِيَّةٌ) بنيت بناء المنازل على الأرض. وهذا في مقابلة قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ). (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : من تحت الغرف ، فإنّ النظر من الغرف إلى الخضر والمياه أشهى وألذّ (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكّد ، لأنّ قوله : «لهم غرف» في معنى الوعد ، كأنّه قال : وعد الله وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) لأنّ الخلف نقص ، وهو على الله محال.
روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ أهل الجنّة ليتراءون الغرف من فوقهم ، كما يتراءون الكوكب الدرّيّ في الأفق ، من المشرق أو
__________________
(١) السجدة : ١٣.
(٢) الكهف : ٦.
(٣) علالي جمع علّيّة ، وهي : بيت منفصل عن الأرض ببيت ونحوه.