الوعيد ، وتخشى قلوبهم في أوّل وهلة ، فإذا ذكروا الله ومبنى أمره على الرأفة والرحمة ، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم ، وبالقشعريرة لينا في جلودهم.
روي عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله ، تحاتّت عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها».
وعن قتادة : هذا نعت لأولياء الله ، نعتهم الله بأن تقشعرّ جلودهم ، وتطمئنّ قلوبهم إلى ذكر الله. ولم ينعتهم بذهاب عقولهم ، والغشيان عليهم ، إنّما ذلك في أهل البدع ، وهو من الشيطان.
(ذلِكَ) أي : ذلك الكتاب (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ) يوفّق به بنصب الأدلّة وإزاحة العلّة (مَنْ يَشاءُ) هدايته من عباده المتّقين الطالبين طريق الفوز والنجاة ، كما قال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (١) (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) من يخذله من أهل العناد والفجور ، بسبب عناده وفرط فجوره (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يخرجهم من الضلال.
أو ذلك الكائن من الخشية والرجاء هدى الله ، أي : أثر هداه ، وهو لطفه. فسمّاه هدى ، لأنّه حاصل بالهدى. يهدي بهذا الأثر من يشاء من عباده. يعني : من صحب أولئك ورءاهم خاشين راجين ، فكان ذلك مرغّبا لهم في الاقتداء بسيرتهم وسلوك طريقتهم. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) ومن لم يؤثّر فيه ألطافه ، لقسوة قلبه وإصراره على فجوره (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) من مؤثّر فيه بشيء قطّ.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ) يجعله درقة (٢) يقي به نفسه ، لأنّه يكون يداه مغلولة إلى عنقه ، فلا يقدر أن يتّقي إلّا بوجهه (سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كمن هو آمن منه. فحذف الخبر كما حذف في نظائره المذكورة غير مرّة.
وتنقيح المعنى : أنّ الإنسان إذا لقي مخوفا من المخاوف استقبله بيده ، وطلب
__________________
(١) البقرة : ٢.
(٢) في هامش النسخة الخطّية : «الدّرقة : التّرس الّذي يتّخذ من الجلود. منه».