وفائدة التكرير في أقاصيصه وأحكامه ومواعظه ركزها في القلوب وغرسها في الصدور ، فإنّ النفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ والنصيحة ، فما لم يكرّر عليها عودا عن بدء لم يرسخ فيها ولم يعمل عمله. ومن ثمّ كانت عادة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكرّر عليهم ما كان يعظ به ، وينصح ثلاث مرّات وسبعا ، ليركّزه في قلوبهم ويغرسه في صدورهم.
(تَقْشَعِرُّ) تتقبّض تقبّضا شديدا (مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) وقف شعرهم خوفا ممّا فيه من الوعيد. وهو مثل في شدّة الخوف. وتركيبه من حروف القشع ، وهو الأديم اليابس ، بزيادة الراء ليصير رباعيّا ، ويدلّ على معنى زائد ، كتركيب القمطر من القمط ، وهو الشدّ. ويجوز أن يريد الله سبحانه به التمثيل ، تصويرا لإفراط خشيتهم ، وأن يريد التحقيق.
والمعنى : أنّهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده ، أصابتهم خشية شديدة تقشعرّ منها جلودهم.
(ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) بالرحمة وعموم المغفرة.
والاقتصار على ذكر الله من غير ذكر الرحمة ، للإشعار بأنّ أصل أمره الرحمة والرأفة ، وإن سبقت رحمته غضبه ، فلأصالة رحمته إذا ذكر لم يخطر بالبال قبل كلّ شيء من صفاته إلّا كونه رؤوفا رحيما.
وتعدية «تلين» بـ «إلى» لتضمّنه معنى السكون والاطمئنان. فكأنّه قيل : سكنت واطمأنّت إلى ذكر الله ، أي : بعد اقشعرار جلودهم منه ، إذا ذكروا الله ورحمته وجوده بالمغفرة ، لانت جلودهم وقلوبهم ، وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة.
وذكر الجلود وحدها أوّلا ، ثمّ قران القلوب بها ثانيا ، لدلالة الخشية الّتي محلّها القلوب عليها ، فهي في حكم الذكر. فكأنّه قيل : تقشعرّ جلودهم من آيات