رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسمعوا ما قال أبو طالب ، قائلين بعضهم لبعض : (أَنِ امْشُوا) اخرجوا من هذا المجلس (وَاصْبِرُوا) واثبتوا (عَلى آلِهَتِكُمْ) على عبادتها ، وتحمّلوا المشاقّ لأجلها ، فإنّه لا حيلة لكم في دفع أمر محمّد. و «أن» هي المفسّرة ، لأنّ الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول.
وقيل : المراد بالانطلاق الاندفاع في القول. «وامشوا» من : مشت المرأة إذا كثرت أولادها. ومنه : الماشية ، أي : أكثروا واجتمعوا للتقوّل.
(إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) هذا الأمر الّذي نراه ـ من زيادة أصحاب محمّد ـ من نوائب الزمان يراد بنا ، فلا مردّ له ، ولا انفكاك لنا منه. أو إنّ هذا الّذي يدّعيه من التوحيد ، أو يقصده من الرئاسة والترفّع على العرب والعجم ، لشيء يتمنّى ، أو يريده كلّ أحد. أو إنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم.
(ما سَمِعْنا بِهذا) الّذي يدعونا إليه محمّد من التوحيد وخلع الأنداد من الله (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) في الملّة الّتي أدركنا عليها آباءنا ، أو في ملّة عيسى الّتي هي آخر الملل ، فإنّ النصارى يثلّثون ولا يوحّدون. ويجوز أن يكون حالا من «هذا» ، ولا يتعلّق بـ «ما سمعنا». والمعنى : أنّا لم نسمع من أهل الكتاب ولا من الكهّان أنّه يحدث التوحيد في الملّة الآخرة. (إِنْ هذا) ما هذا الّذي يقوله محمّد (إِلَّا اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه.
ثمّ أنكروا أن يختصّ عليهالسلام بشرف النبوّة والوحي من بين رؤسائهم ، وينزل عليه الكتاب دونهم ، وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة ، فقالوا :
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أي : كيف أنزل على محمّد القرآن من بيننا ، وليس بأكبر سنّا منّا ، ولا بأعظم شرفا؟ وهذا دليل على أنّ مبدأ تكذيبهم لم يكن إلّا الحسد ، وقصور النظر على الحطام الدنيوي. وقرأ قالون بمدّ الأولى وتليين الثانية شبه واو. وكذلك ابن كثير وأبو عمرو ، إلّا أنّهم يقصرونها.