وإمّا بالكبائر وحينئذ يبقى النزاع بين الفريقين ، فالمعتزلة شرطوا التوبة ، والأشاعرة العفو» (١).
(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) لا تيأسوا من مغفرته (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) يعني : بشرط التوبة. وقد تكرّر ذكر هذا الشرط في القرآن ، فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكرا له فيما لم يذكر فيه ، لأنّ القرآن في حكم كلام واحد ، ولا يجوز فيه التناقض. فإن مات الموحّد الفاسق من غير توبة فهو في مشيئته ، إن شاء عذّبه بعدله ، وإن شاء غفر له بفضله ، كما قال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢). (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) على المبالغة وإفادة الحصر.
واعلم أنّ في الآية اثني عشر شيئا يدلّ كلّ واحد منها على الرجاء على مغفرة جميع الذنوب :
الأوّل : إضافة العباد إلى ذاته المستلزمة للرحمة والشفقة.
والثاني : إيثار «أسرفوا» على : عصوا ، فإنّ ذكر العصيان مشعر على القهر.
والثالث : إيثاره على : أخطأوا ، فإنّ «أسرفوا» مشتمل على رفق العتاب دون الإخطاء.
والرابع : النهي عن القنوط من رحمته المستلزم لتحريم اليأس من المغفرة.
الخامس : تعليله بأنّ الله يغفر الذنوب.
السادس : وضع اسم الله موضع الضمير ، ليكون إسناد المغفرة إلى صريح اسمه.
السابع : استيعاب المغفرة بجميع الذنوب ، بإيراد صيغة الجمع المحلّى باللام ، لا ببعض غير بعض.
__________________
(١) غرائب القرآن ٦ : ١٠.
(٢) النساء : ٤٨.