الفراهيديّ ، ووجود عدّة نسخ منه بين أيدي الناس منذ القديم ، لم أقف على أحد من العلماء أو المؤرّخين نقل عنه واستقى منه ، إلّا ما كان من ابن مسعر ، حين زعم أنّ مصنّفه يقول : «النصب على أربعين وجها ..». بيد أنّ ما بين أيدينا من النسخ فيه خلاف ذلك. وسوف ترى أنّ ما جاء فيها هو : «فالنصب أحد وخمسون وجها» و «فجملة وجوه النصب ثمانية وأربعون وجها».
والثانية : أنّ «الجمل في النحو» عرف عنوانا لكتب أربعة حتّى نهاية القرن الرابع : أقدمها هو الذي بين أيدينا. والثاني هو لابن السرّاج (١) محمّد بن السريّ (ت ٣١٦). والثالث هو للزجّاجيّ (٢) عبد الرحمن بن إسحاق (ت ٣٣٧). والرابع (٣) هو لابن خالويه (ت ٣٧٠).
والثالثة : أنّ اسم «الخليل بن أحمد» كان حتّى القرن الرابع قد أطلق علما على جماعة من العلماء والرواة ، عدّتهم أكثر من عشرة (٤). ولكنّ النحويّ منهم واحد فرد هو الفراهيديّ أبو عبد الرحمن.
والرابعة : أنّ نقل نسب «الجمل» من الخليل بن أحمد الفراهيديّ إلى ابن شقير (٥) قام به ابن مسعر وحده. وعنه نقل ياقوت الحمويّ ، وكلّ من جاء بعده حتّى يومنا هذا.
والخامسة : أنّ هناك كتبا أخرى شاركت «الجمل» في نسبها إلى الخليل ابن أحمد الفراهيدي ، والطعن في ذلك النسب أيضا. وهي : كتاب العين وكتاب فائت العين وأمرهما مشهور ، وكتاب في العوامل قيل إنّه منحول
__________________
(١) إنباه الرواة ٣ : ١٤٩.
(٢) إنباه الرواة ٢ : ١٦٠. وكتابه مشهور ومطبوع.
(٣) إنباه الرواة ١ : ٣٢٥.
(٤) تهذيب التهذيب ٣ : ١٦٣ ـ ١٦٦. وانظر تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٨
(٥) المعروف أن لابن شقير هذا كتابا مختصرا في النحو ، وكتاب الجمل الذي بين أيدينا ليس من المختصرات.