ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء ؛ وهذا أسلوب غريب ، وقلّ في القرآن وجوده ، وأكثر ما يكون عند تقدم مقتضيات الألفاظ ، كالمبتدإ ، وحروف الشرطين الواقعين (١) في الماضي والمضارع. ويستغنى عنه عند أمر محذور (٢) التناسي.
وقد يرد منه شيء يكون بناؤه بطريق الإجمال والتفصيل بأن تتقدم (٣) التفاصيل والجزئيات في القرآن ، فإذا خشي عليها التناسي لطول العهد بها بنى على ما سبق بها بالذكر الجمليّ ، كقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ (٤) [الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً* وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ] (٤)) (النساء : ١٥٥) إلى قوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (النساء : ١٦١) فقوله (فَبِظُلْمٍ) بيان لذكر الجمليّ على ما سبق في القول من التفصيل ، وذلك أن الظلم جمليّ على ما سبق من التفاصيل من النقض والكفر وقتل الأنبياء ، (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) (النساء : ١٥٥) والقول على مريم بالبهتان ، ودعوى قتل المسيح عليهالسلام ، إلى ما تخلل ذلك من أسلوب الاعتراض بها موضعين. وهما قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : ١٥٥) ، وقوله : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) (النساء : ١٥٧) إلى قوله : (شَهِيداً) (النساء : ١٥٩) و [دون] (٥) أنه لما ذكر بالبناء جمليّ الظلم من قوله (فَبِظُلْمٍ) لأنه يعم على كل ما تقدم وينطوي عليه ذكر حينئذ متعلق الجملي من قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (النساء : ١٥٥) عقب الباء لأن العامل في الأصل حقه أن يلي معموله ، فقال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) (النساء : ١٦٠) هو متعلق بقوله : (فَبِظُلْمٍ) (النساء : ١٦٠) ، وقد اشتمل الظلم على كلّ ما تقدم قبله ، كما أنه أيضا اشتمل على كل ما تأخر من المحرّمات الأخر التي عددت بعد ما اشتملت على ذكر الشيء بالعموم والخصوص ؛ فذكرت الجزئيات الأولى بخصوص كلّ واحد ، ثم ذكر العام المنطوي عليها ؛ فهذا تعميم بعد تخصيص. ثم ذكرت جزئيات أخر بخصوصها ، فتركيب الأساليب من وجوه كثيرة في الآية ؛ وهو التعميم بعد التخصيص ، ثم التخصيص بعد التعميم ، ثم البناء بعد الاعتراض. ٣ / ١٦
__________________
(١) في المخطوط «الواقع».
(٢) في المخطوط «محدود».
(٣) في المخطوط «يتقدّم».
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.