ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) (الفتح : ٢٥) إلى قوله : (عَذاباً أَلِيماً) (الفتح : ٢٥) ، فقوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ) (الفتح : ٢٥) إلى قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الفتح : ٢٥) هو المقتضي الأول المتقدم ، وقوله (لَوْ تَزَيَّلُوا) (الفتح : ٢٥) هو المقتضي الثاني وهو البناء ، لأنه المذكّر بالمقتضي الأول الذي هو «لو لا» خشية تناسيه ، فهو مبني على الأول ، ثم أورد مقتضاها من الجواب بقوله : (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) (الفتح : ٢٥) ورودا واحدا من حيث أخذا معا ، كأنهما مقتضى منفرد ، من حيث هما واحد بالنوع ؛ وهو الشرط الماضي. فقوله : (لَوْ تَزَيَّلُوا) (الفتح : ٢٥) بناء على قوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ) (الفتح : ٢٥) نظر في المضارعة. وأما قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل : ١١٩) فيجوز أن يكون تكريرا ، ويجوز أن يكون الكلام عند قوله : (وَأَصْلَحُوا) ويكون الثاني بيانا لمجمل لا تكريرا.
وقد جعل ابن المنيّر (١) من هذا القسم قوله [١٦٣ / ب] تعالى. (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) (النحل : ١٠٦) ثم قال : (مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) (النحل : ١٠٦).
٣ / ١٧ وقوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ...) (الفتح : ٢٥) ثم قال : (لَوْ تَزَيَّلُوا) (الفتح : ٢٥) ونازعه العراقي (٢) لأن المعاد فيهما أخصّ من الأول ؛ وهذا يجيء في كثير مما ذكرنا ، ولا بد أن يكون وراء التكرير شيء أخصّ منه كما بيّنا.
الرابع : في مقام التعظيم والتهويل ؛ كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ـ ٢) (الْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ) (القارعة : ١ ـ ٢). (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (القدر : ١ ـ ٢).
وقوله : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) (الواقعة : ٢٧).
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن منصور الجذامي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٧٦.
(٢) هو عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري ، علم الدين العراقي ، خطيب جامع مصر ، ولد سنة (٦٢٢ ه) اعتنى علم الدين بالعلوم الشرعية فمهر في الفقه والأصول والعربية ، ومهر في الكتابة والحساب وله نظم ونثر ، كان حسن الفكاهة متواضعا لا يسأم من المذاكرة ، له من التصانيف «الانتصار للزمخشري من ابن المنير» أخذ عنه أبو حيّان والسبكي وآخرون توفي سنة (٧٠٤ ه) (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٢ / ٣٩٩).