وقوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (الواقعة : ٨ ـ ٩).
وقوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (المدثر : ٣١).
الخامس : في مقام الوعيد والتهديد ، كقوله تعالى : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (التكاثر : ٤ ـ ٥) وذكر (ثُمَ) في المكرر دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول ، وفيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى ، وإن تعاقبت عليه الأزمنة لا يتطرّق إليه تغيير ، بل هو مستمر دائما.
السادس : التعجّب ، كقوله تعالى : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٩ ـ ٢٠) ، فأعيد تعجّبا من تقديره وإصابته الغرض ، على حدّ : قاتله الله ما أشجعه!
السابع : لتعدد المتعلق ، كما في قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الرحمن : ١٣) ، فإنها وإن تعدّدت ؛ فكلّ واحد منها متعلق بما قبله ، وإنّ الله تعالى خاطب بها الثّقلين من الإنس والجن ، وعدّد عليهم نعمه التي خلقها لهم ، فكلّما ذكر فصلا من فصول النّعم طلب إقرارهم واقتضاهم الشكر عليه ، وهي أنواع مختلفة ، وصور شتى. ٣ / ١٨
فإن قيل : فإذا كان المعنىّ في تكريرها عدّ النعم واقتضاء الشكر عليها ، فما معنى قوله : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) (الرحمن : ٣٥)؟ وأيّ نعمة هنا! وإنما هو وعيد.
قيل : إن نعم الله فيما انذر به وحذّر من عقوباته على معاصيه ليحذروها فيرتدعوا عنها ، نظير أنعمه على ما وعده ، وبشر من ثوابه على طاعته ؛ ليرغبوا فيها ، ويحرصوا عليها ؛ وإنما تتحقق معرفة الشيء بأن تعتبره بضدّه ، والوعد والوعيد وإن تقابلا في ذواتهما ، فإنهما متقاربان في موضع النعم بالتوقيت على ملاك الأمر منها ، وعليه قول بعض حكماء الشعراء :
والحادثات وإن أصابك بؤسها |
|
فهو الذي أنباك كيف نعيمها |
وإنما ذكرنا هذا ، لتعلم الحكمة في كونها زادت على ثلاثة ، ولو كان عائدا لشيء واحد لما زاد على ثلاثة ؛ لأن التأكيد لا يقع به أكثر من ثلاثة.
فإن قيل : فإذا كان المراد بكلّ ما قبله ، فليس ذلك بإطناب ، بل هي ألفاظ أريد بها غير ما أريد بالآخر.