٣ / ١٩ قلت إن قلنا : العبرة بعموم اللفظ ؛ فكل واحد أريد به غير ما أريد بالآخر.
وقد تكلف لتوجيه العدّة التي جاءت عليها هذه الآية مكررة ، قال الكرمانيّ (١) : جاءت آية واحدة في هذه السورة كرّرت نيّفا وثلاثين مرة ، لأن ست عشرة راجعة إلى الجنان ، لأن لها ثمانية أبواب ، وأربعة عشر منها راجعة إلى النعم والنقم ، فأعظم النقم جهنم ، ولها سبعة أبواب. وجاءت سبعة في مقابلة تلك الأبواب ، وسبعة عقب كل نعمة ذكرها للثّقلين.
وقال غيره : نبّه في سبع منها على ما خلقه الله للعباد من نعم الدنيا المختلفة على عدّة أمهات النعم [١٦٤ / أ] وأفرد سبعا منها للتخويف ، وإنذارا على عدة أبواب المخوف منه ، وفصل بين الأول والسبع الثواني بواحدة سوّى فيها بين الخلق كلهم فيما كتبه عليهم من الفناء ، حيث اتصلت بقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن : ٢٦) ، فكانت خمس عشرة ، أتبعت بثمانية في وصف الجنان وأهلها على عدة أبوابها ، ثم بثمانية أخر في وصف الجنتين اللتين من دون الأوليين لذلك أيضا فاستكملت إحدى وثلاثين.
ومن هذا النوع قوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (الآية : ١٥) ، في سورة المرسلات عشر مرات ، لأنه سبحانه ذكر قصصا مختلفة ، وأتبع كلّ قصة بهذا القول ، فصار كأنه قال عقب كل قصة : «ويل للمكذبين بهذه القصة! وكل قصة مخالفة لصاحبتها» ، فأثبت الويل لمن كذّب بها.
ويحتمل أنه لما كان جزاء الحسنة بعشر أمثالها ، وجعل للكفّار في مقابلة كلّ مثل من الثواب ويل.
٣ / ٢٠ ومنها في سورة الشعراء قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الآية : ٨ ـ ٩) في ثمانية مواضع ؛ لأجل الوعظ ، فإنه قد يتأثر بالتكرار من لا يتأثر بالمرة الواحدة.
وأما قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) ، فذلك لظهور آيات الأنبياء عليهمالسلام ، والعجب من تخلّف من لا يتأملها مع ظهورها.
وأما مناسبة قوله : (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر ؛ فدلّ بالمفهوم
__________________
(١) هو محمود بن حمزة بن نصر ، تقدمت ترجمته في ١ / ٢٠٦. وانظر قوله في كتابه البرهان في توجيه متشابه القرآن (بتحقيق : عبد القادر أحمد عطا) ص : ١٧٩ ، بتصرّف.