على إيمان الأقلّ ، فكانت العزة على من لم يؤمن ، والرحمة لمن آمن ، وهما مرتبتان كترتيب الفريقين. ويحتمل أن يكون من هذا النوع قوله تعالى : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ...) (التكاثر : ٤ ـ ٥) الآية ، لأنّ علمهم يقع أولا وثانيا على نوعين مختلفين بحسب المقام ؛ وهذا أقرب للحقيقة الوضعية وحال المعبر عنه ؛ فإن المعاملات الإلهيّة للطائع والعاصي متغيّرة الأنواع [الدنيوية] (١) ثم البرزخية ، ثم الحشرية ، كما أن أحوال الاستقرار بعد الجميع في الغاية ؛ بل كل مقام من هذه أنواع مختلفة ، وفي «ثم» دلالة على الترقي ، إن لم يجعل الزمان مرتبا في الإنذار على التكرار ، وفي المنذر به على التنويع.
ومنه تكرار : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) (القمر : ٣٩) ، قال الزمخشري : كرّر ليجدوا عند سماع كل نبإ منها اتعاظا وتنبيها ، وأن كلا من تلك الأنباء مستحق باعتبار يختص به ، وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة (٢).
ومنه قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ...) (الكافرون : ١ ـ ٢) إلى آخرها يحكى أن بعض الزنادقة سأل الحسن بن عليّ رضياللهعنهما عن هذه الآية فقال : «إنّي أجد في القرآن تكرارا وذكر له ذلك ، فأجابه الحسن بما حاصله : إن الكفار قالوا : نعبد إلهك شهرا وتعبد آلهتنا شهرا» ، فجاء النفي متوجها إلى ذلك. والمقصود أن هذه [الآية] (٣) ليست من التكرار في شيء ، بل هي بالحذف والاختصار أليق ؛ وذلك لأن قوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (الكافرون : ٢) ؛ أي لا أعبد في المستقبل [ما تعبدون في المستقبل] (٤) ، وقوله : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (الكافرون : ٤) ، أي ولا أنا عابد في الحال ما عبدتم في المستقبل ، [(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) (الكافرون : ٣) في الحال ما أعبد في المستقبل] (٥). ٣ / ٢١
والحاصل أن القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة : الحال ، والماضي ،
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) الكشاف ٤ / ٤٦ ، بتصرّف.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.