الحجر ليس بقيد عند العلماء ؛ لكنّ فائدة التقييد تأكيد الحكم في هذه الصورة مع ثبوته عند عدمها ؛ ولهذا قال بعده : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) (النساء : ٢٣) ولم يقل : «(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ) (النساء : ٢٣) ولم يكنّ في حجوركم» فدلّ على أن الحجر خرج مخرج العادة.
واعترض بأن الحرمة إذا كانت بالمجموع فالحلّ يثبت بانتفاء المجموع ، والمجموع ينتفي بانتفاء جزئه ، كما ينتفي بانتفاء كل فرد من المجموع.
وأجيب بأنه إذا نفي أحد شطري العلّة كان جزء العلة ثابتا ؛ فيعمل عملها.
فإن قيل : لما قال : (مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) (النساء : ٢٣) ، (١) [قال في ٣ / ٣٩ الآية بعدها] (١) : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (النساء : ٢٤) علم من مجموع ذلك أن الربيبة لا تحرم إذا لم يدخل بأمّها ؛ فما فائدة قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) (النساء : ٢٣)؟
قيل : فائدته ألاّ يتوهم أن قيد الدخول خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط ؛ كما في الحجر المفهوم إذا خرج مخرج الغالب ، فلا تقييد فيه عند الجمهور ، خلافا لإمام الحرمين (٢) والشيخ عز الدين بن عبد السلام (٣) والعراقي (٤) ، حيث قالوا : «إنه ينبغي أن يكون حجة بلا خلاف إذا لم تغلب» ؛ لأن الصفة إذا كانت غالبة دلّت العادة عليها ؛ فاستغنى المتكلم بالعادة عن ذكرها ، فلما ذكرها مع استغنائه عنها دلّ ذلك على أنه لم يرد الإخبار بوقوعها للحقيقة ؛ بل ليترتب عليها نفي الحكم من المسكوت (٥) ؛ أما إذا لم تكن غالبة أمكن أن يقال : إنما ذكرها ليعرف السامع أن هذه الصفة تعرض لهذه الحقيقة.
ومنه قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء : ٣١).
وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة : ٢٨٣) ، وجوّزوا أنّ الرهن لا يختصّ بالسفر ، لكن ذكر لأن فقد الكاتب يكون [فيه] (٦)
__________________
(١) في المخطوطة «ثم قال في آخر الآية».
(٢) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني ، أبو المعالي تقدمت ترجمته في ١ / ١١٨.
(٣) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٢.
(٤) هو عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري ، علم الدين العراقي ، تقدمت ترجمته في ٣ / ١٠٢.
(٥) في المخطوطة «عن السكوت».
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.