وغالى بعض الشعراء في وصف جسمه بالنحول ، فجاء بما يزيد على الآية ، فقال :
ولو أنّ ما بي من جوى وصبابة |
|
على جمل لم يبق في النّار خالد |
وهذا على طريقة الشعراء في اعتبار المبالغة ، وإلا فمعارضات القرآن لا تجوز ، كما سبق التنبيه عليه.
ومنه قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ) (النساء :
٢٢). فإن المعنى : إن كان ما سلف في الزمن السالف يمكن رجوعه فحلّه ثابت ، لكن لا يمكن رجوعه أبدا ، ولا يثبت حلّه أبدا ، وهو أبلغ في (١) النهي المجرد.
ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (الزخرف : ٨١) ، أي ولكن ليس له ولد ، فلا أعبد سواه.
وقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً) (مريم : ٦٢) ، أي إن كان تسليم ٣ / ٤٨ بعضهم على بعض ، أو تسليم الملائكة عليهم لغوا ، فلا يسمعون لغوا إلا ذلك ؛ فهو من باب قوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب (٢). |
ومنه قوله : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى) (الدخان : ٥٦) ، فإن الناس استشكلوا وجه الاستثناء ، مع أنهم لا يذوقون فيها الموت مطلقا. ومقتضى استثنائها من النفي أنهم يذوقونها في الجنة وليس كذلك.
ووجهه الزمخشري «بأنه من التوكيد في الدلالة ، والموتة الأولى لا يذوقونها أصلا ؛ إذ يستحيل عود ما وقع ؛ فلا يذوقون فيها الموت أصلا ، أي إن كانوا يذوقون فلا يكون ذلك إلا الموتة الأولى ، وإن [كان] (٣) إيقاع الموتة الأولى في الجنة مستحيلا ، فعرّض بالاستثناء إلى استحالة الموت فيها» (٤).
__________________
(١) في المخطوطة «من».
(٢) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة مطلعها «كليني لهم». (ديوان النابغة الذبياني ص : ١١) طبعة دار صادر ، بيروت.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) الكشاف ٣ / ٤٣٥ بتصرف.