أما حذفه وإقامة المفعول مقامه ، مع بناء الفعل للمفعول فله أسباب :
منها العلم به ، كقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (الأنبياء : ٣٧). (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (النساء : ٢٨) ، ونحن نعلم أن الله خالقه.
قال ابن جني (١) : وضابطه أن يكون الغرض إنما هو الإعلام بوقوع الفعل بالمفعول ؛ ولا غرض في إبانة الفاعل من هو.
ومنها تعظيمه ، كقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (يوسف : ٤١) ، إذ كان الذي قضاه عظيم القدر.
وقوله : (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (هود : ٤٤).
٣ / ١٤٥ وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (البقرة : ٤) قال الزمخشري في «كشافه القديم» : هذا أدلّ على كبرياء المنزّل وجلالة شأنه من القراءة الشاذة «أنزل» (٢) مبنيّا للفاعل ، كما تقول : الملك أمر (٣) بكذا ، [ورسم بكذا] (٤) ؛ وخاصّة إذا كان الفعل فعلا لا يقدر [عليه] (٤) إلا الله ، كقوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (هود : ٤٤) قال : كأن طيّ ذكر الفاعل كالواجب ؛ لأمرين :
أحدهما : أنه إن تعيّن الفاعل وعلم أن الفعل مما لا يتولاّه إلاّ هو وحده ، كان ذكره فضلا ولغوا.
والثاني : الإيذان بأنه منه ؛ غير مشارك ولا مدافع عن الاستئثار به والتفرّد بإيجاده.
وأيضا فما في ذلك من مصير أن اسمه جدير بأن يصان ويرتفع (٥) به عن الابتذال والامتهان. وعن الحسن : لو لا أني مأذون لي في ذكر اسمه لربأت به عن مسلك الطعام والشراب.
ومنها مناسبة الفواصل ، نحو : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (الليل : ١٩) ، ولم يقل يجزيها (٦).
__________________
(١) في الخصائص ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.
(٢) وهي قراءة يزيد بن قطيب انظر الكشاف ١ / ٢٤.
(٣) في المخطوطة (أمرك).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) في المخطوطة (ونرفع).
(٦) في المخطوطة (تجزيها).