وقال أبو البركات بن الأنباري (١) : ولو قيل : إنما قال : (تَجْهَلُونَ) (النمل : ٥٢) [بالتاء ـ لأن «قوم» هو «أنتم» في المعنى فلذلك ، قال : «تجهلون»] (٢) حملا على المعنى ـ لكان حسنا ، ونظيره قوله :
أنا الذي سمّتني أمّي حيدرة (٣)
بالياء حملا على «أنا» لأن «الذي» هو «أنا» في المعنى.
ومنه قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (هود : ١١٢) ، غلّب فيه جانب «أنت» على جانب «من» فأسند إليه الفعل ، وكان تقديره : فاستقيموا ، فغلّب الخطاب على الغيبة ، لأن حرف العطف فصل بين المسند إليهم الفعل ، فصار كما ترى. قال صاحب «الكشاف» «تقديره فاستقم كما أمرت وليستقم كذلك من تاب معك» (٤).
وما قلنا أقل تقديرا من هذا فاختر أيّهما شئت.
وقوله تعالى : (اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) (الإسراء : ٦٣) ، فأعاد الضمير بلفظ الخطاب ، وإن كان «من تبعك» يقتضي الغيبة ، تغليبا للمخاطب وجعل الغائب تبعا (٥) له ، كما كان تبعا له في المعصية والعقوبة ، فحسن أن يجعل تبعا له في اللفظ ، وهو من محاسن ارتباط اللفظ بالمعنى.
وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : ٢١) ، فإنّ الخطاب في (لَعَلَّكُمْ) (البقرة : ٢١) متعلق بقوله :
__________________
(١) هو عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد الأنباري الملقب كمال الدين ، النحوي كان من الأئمة المشار إليهم في النحو ، سكن بغداد من صباه إلى أن مات ، وصنف في النحو وكتبه كلها نافعة ، وكانت ولادته سنة (٥١٣) ه وتوفي سنة (٥٧٧) ه (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ / ١٣٩).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) قاله سيدنا علي بن أبي طالب رضياللهعنه يوم خيبر حين خرج لمبارزة اليهودي مرحب ، وتمامه :
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة |
|
كليث غابات كريه المنظرة |
أوفيهم بالصاع كيل السندرة ذكره ابن الشجري في الأمالي الشجرية ٢ / ١٥٢ في المجلس الموفي الستين ، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ٣ / ١٤٩ ذكر اختصاصه بإعطائه الراية يوم خيبر وبفتحها.
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف ٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ تفسير الآية ١١٢ من سورة هود.
(٥) في المخطوطة (وجعل الغائب تغليبا له) والصواب ما في المطبوعة.