خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم ، لتعجّبه من فعلهم وكفرهم ، إذ لو استمرّ على خطابهم لفاتت تلك الفائدة.
وقيل : لأنّ الخطاب أوّلا كان مع الناس : مؤمنهم وكافرهم ؛ بدليل قوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (يونس : ٢٢) ، فلو قال : «وجرين بكم» للزم الذمّ للجميع ، فالتفت عن الأول للإشارة إلى الاختصاص بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية ، فعدل عن الخطاب العامّ إلى الذمّ الخاصّ ببعضهم ، وهم الموصوفون بما أخبر به عنهم.
وقيل : لأنهم وقت الركوب [حصروا] (١) لأنّهم خافوا الهلاك وتقلّب الرياح ، فناداهم نداء الحاضرين. ثم إن الرياح لما جرت بما تشتهي النفوس ، وأمنت الهلاك لم يبق حضورهم كما كان ، على ما [هي عادة الإنسان ؛ أنّه إذا] (١) [٢٢٠ / ب] أمن غاب ، فلما غابوا عند جريه بريح طيبة فكّرهم (٢) الله بصيغة الغيبة ؛ فقال : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (يونس : ٢٢).
وقوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (الزخرف : ٧٠) ثم قال : (يُطافُ عَلَيْهِمْ) (الزخرف : ٧١) ، فانتقل من الخطاب إلى الغيبة ، ولو ربط بما قبله لقال : «يطاف عليكم» ، لأنه مخاطب لا مخبر ، ثم التفت فقال : (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) (الزخرف : ٧١) فكرّر الالتفات.
وقوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم : ٣٩).
وقوله : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات : ٧).
وقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ* وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) (الأنبياء : ٩٢ ـ ٩٣) ، والأصل «فقطعتم» عطفا على ما قبله ، لكن عدل من الخطاب إلى الغيبة ، فقيل ؛ إنّه سبحانه نعى (٣) عليهم ما أفسدوه من أمر دينهم إلى قوم آخرين ، ووبخهم (٤) عليه قائلا : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله [لم] (٥)!
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (ذكرهم).
(٣) في المخطوطة (ينعي).
(٤) في المخطوطة (ويوبخهم عليهم).
(٥) ليست في المخطوطة.