وقيل : التجوّز في الحرف ؛ وهو الباء ؛ فإنها بمعنى «من».
وقيل : لا مجاز أصلا ، بل العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء ، لا إلى الماء نفسه ، نحو نزلت بعين ، فصار كقوله : مكانا يشرب به.
وعلى هذا : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) (آل عمران : ١٨٨) ، قاله الراغب (١).
وهذا بخلاف المجاز ؛ فإنّ فيه العدول عن مسمّاه بالكليّة ، ويراد [٢٢٤ / ب] به غيره ، كقوله [تعالى] : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧) ، [فإنّه] (٢) استعمل «أراد» في معنى مقاربة السقوط ؛ لأنه من لوازم الإرادة ، وإنّ من أراد شيئا فقد قارب فعله ، ولم يرد باللفظ هذا المعنى الحقيقيّ الذي هو الإرادة البتة. والتضمين [أيضا مجاز ؛ لأنّ اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا ، والجمع بينهما مجاز خاصّ يسمونه بالتضمين] (٢) ، تفرقة بينه وبين المجاز المطلق.
ومن التضمين قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (البقرة : ١٨٧) ؛ لأنه لا يقال : رفثت [إلى] (٢) المرأة : لكن لما كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك.
وهكذا قوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (النازعات : ١٨) ؛ وإنما يقال : هل لك في كذا؟ لكن المعنى أدعوك إلى أن تزكّى.
وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (الشورى : ٢٥) ، فجاء ب «عن» ، لأنه ضمّن التوبة معنى العفو والصفح.
وقوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) (البقرة : ١٤) ، وإنما يقال : خلوت به ، لكن ضمّن «خلوا» معنى «ذهبوا» وانصرفوا» ، وهو معادل لقوله : (لَقُوا) (البقرة : ١٤) ؛ وهذا أولى من قول من قال : إنّ «إلى» هنا بمعنى الباء ، أو بمعنى «مع».
__________________
(١) انظر قول الراغب في المفردات ص ٣٥٥ كتاب العين ، وفي ٣٨٧ كتاب الفاء ، والراغب هو أبو القاسم الحسين بن محمد تقدم التعريف به في ١ / ٢١٨.
(٢) ليست في المخطوطة.