تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (١) (البقرة : ٤٦) (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (الأعراف : ١٧١). ومتى رئي إلى الشك أقرب استعمل معه «أن» التي للمعدومين من الفعل ، نحو ظننت أن يخرج.
قال : وإنما استعمل الظن بمعنى العلم في قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (البقرة : ٤٦) لأمرين :
أحدهما : للتنبيه على أنّ علم أكثر الناس في الدنيا بالنسبة إلى علمهم في الآخرة (٢) ، كالظنّ في جنب العلم.
والثاني : أن العلم الحقيقيّ في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنّبيّين والصديقين المعنيين بقوله [تعالى] : (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) (الحجرات : ١٥) ، والظنّ متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح به ، ومتى كان عن تخمين لم يمدح ، كما قال تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)» (٣) (الحجرات : ١٢).
وجوّز أبو الفتح في قوله : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) (المطففين : ٤ ـ ٥) أن يكون المراد بها اليقين ، وأن تكون على بابها ، وهو أقوى في المعنى ، أي فقد يمنع من هذا التوهم ، فكيف عند تحقيق الأمر ، فهذا أبلغ كقوله : «يكفيك من شرّ سماعه» أي لو توهم البعث والنشور وما هناك من عظم الأمر وشدته لاجتنب المعاصي ، فكيف عند تحقق الأمر! وهذا أبلغ.
وقيل : آيتا البقرة بمعنى الاعتقاد ، والباقي بمعنى اليقين ، والفرق بينهما أن الاعتقاد يقبل التشكيك بخلاف اليقين ، وإن اشتركا جميعا في وجوب الجزم بهما.
وكذلك قوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٠).
وقد جاء عكسه وهو التجوّز عن الظن بالعلم ، كقوله تعالى : (وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا) (يوسف : ٨١) ، ولم يكن ذلك علما جازما بل اعتقادا ظنيّا.
__________________
(١) الآية في المطبوعة (الذين يظنون أنهم ملاقوا الله) (البقرة : ٢٤٩) ، وما أثبتناه من المخطوطة موافق لما في كتاب الذريعة.
(٢) عبارة المخطوطة (إلى علم الآخرة).
(٣) هنا تنتهي عبارة الراغب المنقولة من كتابه «الذريعة».