أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (يس : ٥٥) إلى قوله : (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (يس : ٥٩) مقيدا بهذا (١) الخطاب لكونه تفصيلا لما أجمله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يس : ٥٤) ، وإن التقدير أن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر ، ثم جاء في التفسير أن قوله هذا : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (يس : ٥٥) يقال لهم حين يساق بهم إلى الجنة ، بتنزيل ما هو للتكوين منزلة الكائن ، أي أن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر ، يؤول حالهم إلى أسعد حال ، والتقدير حينئذ : ليمتازوا عنكم إلى الجنة» ، هكذا قرره السكاكيّ في «المفتاح» (٢).
قيل : وفيه نظر ؛ لأنها إذا كانت طلبية ومعناها أمر المؤمنين بالذهاب إلى الجنة ، فليكن الخطاب معهم لا مع أهل المحشر [لأن الخطاب في التحيير هنا هو المأمور فيها] (٣).
ولهذا قال بعضهم : إن تضمين أصحاب أهل الجنة للطّلب ليس المراد منه أن الجملة نفسها طلبية ، بل معناه أن يقدر جملة إنشائية بعدها ، بخلاف قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة : ٨٣).
ومنه قوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (الصف : ١١ ـ ١٢) ، فإنه يقال : كيف جاء الجزم في جواب الخبر؟ وجوابه أنه لمّا كان في معنى الأمر جاز ذلك ، إذ المعنى : آمنوا وجاهدوا.
وقال ابن جنّي : لا يكون (يَغْفِرْ [لَكُمْ]) (٤) (الصف : ١٢) جوابا ل (هَلْ أَدُلُّكُمْ) (الصف : ١٠) وإن كان أبو العباس قد قاله ، [قال أبو علي] (٤) لأن المغفرة تحصل بالإيمان لا بالدلالة. انتهى. وقد يقال الدلالة : سبب السبب.
إذا علمت هذا ؛ فإنما يجيء الأمر بلفظ الخبر الحاصل تحقيقا لثبوته ؛ وأنه مما ينبغي أن يكون واقعا ولا بد ، وهذا هو المشهور.
__________________
(١) عبارة المخطوطة (تقييدا بعد الخطاب).
(٢) ذكره السكاكي في مفتاح العلوم ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩ الفن الرابع الفصل والوصل ... ، ثم ذكر التوسط.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) ليست في المطبوعة.