وقوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ [بِآياتِ رَبِّنا]) (١) (الأنعام : ٢٧) إلى قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (الأنعام : ٢٨) ؛ فإنه يقال : كيف ورد التمني على التكذيب وهو إنشاء؟.
وأجاب الزمخشري (٢) أنه ضمّن معنى العدة ، وأجاب غيره بأنه محمول على المعنى من الشرط والخبر ؛ كأنه قيل : إن رددنا لم نكذّب وآمنّا. والشرط خبر ، فصحّ ورود التكذيب عليه.
وقوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (العنكبوت : ١٢) ، أي ونحن حاملون ، بدليل قوله : (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (العنكبوت : ١٢) والكذب إنما يرد على الخبر.
وقوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) (مريم : ٣٨) ؛ تقديره : ما أسمعهم وأبصرهم! لأنّ الله تعالى لم يتعجّب منهم ، ولكنّه دلّ المكلّفين على أن هؤلاء قد نزّلوا (٣) منزلة من يتعجب منه.
وممّا يدلّ على كونه ليس [أمرا] (٤) حقيقيا ظهور الفاعل الذي هو الجار والمجرور في الأول ، وفعل الأمر لا يبرز فاعله أبدا.
ووجه التجوّز في هذا الأسلوب أنّ الأمر شأنه أن يكون ما فيه داعية للأمر ؛ وليس الخبر كذلك ، فإذا عبّر عن الخبر بلفظ الأمر أشعر ذلك بالدّاعية ، فيكون ثبوته وصدقه [أقرب] (٤).
هذا بالنسبة لكلام العرب لا لكلام الله ؛ إذ يستحيل في حقه سبحانه الداعية للفعل.
بقي الكلام في أيّهما أبلغ؟ هذا القسم أو الذي قبله؟.
قال الكواشي (٥) في قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (مريم : ٧٥) ، الأمر بمعنى الخبر ؛ لتضمنه [معنى] (٦) اللزوم ؛ نحو إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) انظر قول الزمخشري في الكشاف ٢ / ٩ عند تفسير الآية (٢٧) من سورة الأنعام.
(٣) في المخطوطة (قد ينزلون).
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) هو أحمد بن يوسف بن حسن تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٢.
(٦) ليست في المطبوعة.