وطعن الفارسي (١) في هذه الحكاية لوجود وضع جمع القلة موضع الكثرة فيما له جمع كثرة ، وفيما لا جمع له كثرة في كلامهم. وصحّحها بعضهم قال : يعني أنه كان ينبغي لحسان تجنّب اللفظ الذي أصله أن يكون في القلة ، وإن كان جائزا في اللسان وضعه لقرينة إذا كان الموضع موضع مدح ، أو أنّه وإن كانت القلة [توضع] (٢) لمعنى الكثرة ، لكن ليس في كل مقام.
ومن المشكل قوله تعالى : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (البقرة : ٢٤٥) فإن (أَضْعافاً) جمع قلّة فكيف جاء بعده كثرة! والجواب أن جمع القلة يستعمل مرادا به الكثرة ، وهذا منه.
تنبيهان
الأول : إنما يسأل عن حكمة ذلك حيث كان له جمع كثرة ، فإن لم يكن [له] (٢) فلا ، كقوله [تعالى] : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) (البقرة : ١٨٤) ؛ فإنّ (أَيَّاماً) أفعال مع أنها ثلاثون ، لكن ليس لليوم جمع غيره ؛ ومن ثم أفرد السّمع وجمع (٣) الأبصار في قوله : ([وَ] (٤) عَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) (البقرة : ٧) لأن «فعلا» ساكن العين صحيحها لا يجمع على «أفعال» غالبا ؛ وليس له جمع تكسير ؛ فلما كان كذلك اكتفى بدلالة الجنس على الجمع.
وجعل بعضهم من هذا «أنفسكم» على كثرتها في القرآن ؛ وليس كذلك ، فقد جاء (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (التكوير : ٧) ، وحكمته هنا ظاهرة ، لأنّ المراد استيعاب جميع الخلق في المحشر.
ونظيره : (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (البقرة : ٢٦٦) لإمكان «الثمار» وليس رأس آية.
__________________
التكسير ، بعد إيراد البيت لحسان (على أنه ثبت اعتراض النابغة على حسان بقوله : قللت جفانك وسيوفك).
(١) انظر طعن الفارسي في هذه الحكاية في خزانة الأدب ٣ / ٤٣٠.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) في المخطوطة تصحفت إلى (وأفرد الأبصار) والصواب ما في المطبوعة.
(٤) ليست في المخطوطة.