تنبيه
جاء عن ابن مسعود : «ذكّروا القرآن» (١). ففهم منه ثعلب أنّ ما احتمل تأنيثه وتذكيره كان تذكيره أجود.
وردّ بأنه يمتنع إرادة تذكير غير الحقيقي التأنيث ، لكثرة ما في القرآن منه بالتأنيث : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ) (الحج : ٧٢). (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) (القيامة : ٢٩).
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) (إبراهيم : ١١) وإذا امتنع إرادة غير الحقيقي ، فالحقيقيّ أولى.
قالوا : ولا يستقيم إرادة أن ما احتمل التذكير والتأنيث غلّب فيه التذكير ، لقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) (ق : ١٠). (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (الحاقة : ٧) ، فأنّث مع جواز التذكير ، قال تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر : ٢٠) ، (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) (يس : ٨٠). قال : فليس المراد ما فهم ، بل المراد الموعظة والدعاء ، كما قال تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ ...) (ق : ٤٥) إلاّ أنّه حذف الجارّ ، والمقصود ذكّروا الناس بالقرآن ، أي ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه.
وقال الواحدي (٢) : إنّ قول ابن مسعود على ما ذهب إليه ثعلب ، والمراد أنه إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكّر ، نحو : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (البقرة : ٤٨).
قال : ويدلّ على إرادته هذا أن أصحاب عبد الله من قراء الكوفة كحمزة والكسائي ذهبوا إلى هذا فقرءوا ما كان من هذا القبيل بالتذكير ، نحو : يوم يشهد عليهم ألسنتهم (٣) (النور : ٢٤). وهذا في غير الحقيقي.
ضابط التأنيث ضربان :
حقيقيّ وغيره ، فالحقيقي لا يحذف التأنيث من فعله غالبا إلا أن يقع فصل ، نحو : قام
__________________
(١) ذكره ابن منظور في لسان العرب ٤ / ٣١٠ مادة «ذكر» فقال (وفي الحديث : القرآن ذكر فذكروه ، أي أنه جليل خطير فأجلّوه).
(٢) هو علي بن أحمد بن محمد تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥.
(٣) ذكره البناء في إتحاف فضلاء البشر ص ٣٢٤ سورة النور فقال : (واختلف في (يَوْمَ تَشْهَدُ) فحمزة والكسائي وخلف بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق ، وجه التذكير أن التأنيث مجازي).