ومثله قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ [يُطاعُ]) (١) (غافر : ١٨) ، ليس المراد نفي الشفيع بقيد الطاعة ؛ بل نفيه مطلقا ؛ وإنما قيّده بذلك لوجوه :
أحدها : أنه تنكيل بالكفار ؛ لأنّ أحدا لا يشفع إلا بإذنه ؛ وإذا شفّع يشفّع ، لكن الشفاعة مختصّة بالمؤمنين ، فكان نفي الشفيع المطاع تنبيها على حصوله لأضدادهم ؛ كقولك لمن يناظر شخصا ذا صديق نافع : لقد حدّثت صديقا نافعا ، وإنما تريد التنويه بما حصل لغيره ، لأنّ له صديقا ولم ينفع.
الثاني : أنّ الوصف اللازم للموصوف ليس بلازم أن يكون للتقييد ؛ بل بدل الأعراض (٢) من تحسينه أو تقبيحه ، نحو : له مال يتمتع به ، وقوله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) (سبأ : ٤٤) (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : ١٧٤).
الثالث : قد يكون الشفيع غير مطاع في بعض الشفاعات ، وقد ورد في بعض الحديث ما يوهم صورة الشفاعة من غير إجابة ، كحديث الخليل مع والده يوم القيامة (٣) ؛ وإنما دلّ على التلازم دليل الشرع.
وقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) (الإسراء : ١١١) أي [من] (٤) خوف الذلّ ، فنفى الوليّ لانتفاء خوف الذلّ ؛ فإن اتخاذ الوليّ فرع عن خوف الذل وسبب عنه.
وقوله [تعالى] : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) ، نفى الغلبة ؛ والمراد نفي أصل النوم [لا النوم] (٥) والسّنة عن ذاته ؛ ففي الآية التصريح بنفي النوم وقوعا وجوازا ، أمّا
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة (بل يدلّ لأغراض).
(٣) إشارة إلى حديث أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٨٧ كتاب الأنبياء (٦٠) ، باب قول الله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (النساء : ١٦٥) ... ، الحديث (٣٣٥٠) ونصّه : عن أبي هريرة رضياللهعنه عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغيرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم : يا رب إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأيّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى : إني حرّمت الجنة على الكافرين. ثمّ يقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك ، فينظر فاذا هو بذيخ متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار» والذيخ : ذكر الضباع ، وأراد بالتلطخ : برجيعة أو بالطين.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) ليست في المطبوعة.