قال : ونظيره في النفي والإثبات قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧).
قلت : المنفيّ أولا التأثير ، والمثبت ثانيا نفس الفعل.
ومن هذه القاعدة يزول الإشكال في قوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (المائدة : ٦٧) والمعنى : إن لم تفعل بمقتضى ما بلغت فأنت في حكم غير المبلّغ ، كقولك لطالب العلم إن لم تعمل بما علمت فأنت لم تعلم شيئا ، أي في حكم من لم يعلم.
***
ومنه نفي الشيء مقيدا والمراد نفيه مطلقا ؛ وهذا من أساليب العرب يقصدون به المبالغة في النفي وتأكيده ، كقولهم : فلان لا يرجى خيره ، ليس المراد أن فيه خيرا لا يرجى ، [وإنما] (١) غرضهم أنه (٢) لا خير فيه على وجه من الوجوه.
ومنه : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) (آل عمران : ٢١) فإنه يدلّ أنّ قتلهم لا يكون إلا بغير حقّ ، ثم وصف القتل بما لا بد أن يكون [عليه] (١) من الصفة ، [٢٣٥ / أ] وهي وقوعه (٣) على خلاف الحق.
وكذلك قوله : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (المؤمنون : ١١٧) إنها وصف لهذا الدعاء ، وأنه لا يكون إلا [عن] (٤) غير برهان.
وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (البقرة : ٤١) ، تغليظ وتأكيد في تحذيرهم الكفر.
وقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) (البقرة : ٤١) ؛ لأنّ كلّ ثمن لها لا يكون إلا قليلا ، فصار نفي الثمن القليل نفيا لكل ثمن.
وقوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (البقرة : ٢٧٣) ، فإنّ ظاهره نفي الإلحاف في المسألة ، والحقيقة نفي المسألة البتة ؛ وعليه أكثر المفسرين ، بدليل قوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (البقرة : ٢٧٣) ، ومن لا يسأل لا يلحف قطعا ؛ ضرورة أنّ نفي الأعمّ يستلزم نفي الأخصّ.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) في المخطوطة (أن).
(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (قوله).
(٤) ليست في المخطوطة.