قلت : والقول بعدم دخوله تحت اللفظ هو قول أبي علي الفارسيّ وتلميذه ابن جني ، وعلى هذا القول فلا (١) يحسن عدّ هذه الآية من هذا النوع.
وأيضا فإذا اجتمع في الكلام معطوفان (٢) : هل يجعل الآخر معطوفا على الأول؟ أو على ما يليه؟ وقع في كلام الزمخشري في مواضع من الكشاف تجويز الأمرين.
فذكر (٣) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) (الأنعام : ٩٥) ، أن «مخرجا» معطوف على (فالِقُ) لا على (يُخْرِجُ) ، فرارا من عطف الاسم على الفعل ، وخالفه ابن مالك وأوّله.
وذكر (٤) أيضا في قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (البقرة : ٢١٠) ، على هذه القراءة (٥) أنه معطوف على (اللهُ) لأن قضاءه قديم.
وذكر (٦) أيضا في قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء : ١) ، حاصله أن قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) إذا أريد به العموم كان قوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) عطفا على مقدر ؛ أي أنشأها وأوجدها ، (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) ، يعني خلقكم من نفس هذه صفتها. وإن أريد به المخاطبون بمكة كان قوله : (وَخَلَقَ) عطفا على (خَلَقَكُمْ) ، وموجب ذلك الفرار (٧) من التكرار.
وعلى هذا فيجوز أن يكون «جبريل» معطوفا على لفظ الجلالة ، فلا تكون الآية من هذا النوع. ولو سلمنا بعطفه على «رسله» فكذلك ؛ لكن الظاهر أن المراد بالرسل من بني آدم لعطفهم على الملائكة ، فليسوا منه.
وفي الآية سؤالان :
__________________
(١) في المخطوطة (فلا خلاف يحسن).
(٢) في المخطوطة (معطوفات).
(٣) الكشاف ٢ / ٢٨. بتصرف.
(٤) الكشاف ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨.
(٥) أي قراءة رفع الملائكة وهي قراءة الجمهور وقرأ أبو جعفر بالجر عطفا على الغمام أو ظلل (إتحاف فضلاء البشر ص ١٥٦).
(٦) الكشاف ١ / ٢٤١.
(٧) في المخطوطة (القرر).