وإلا فما بال أفق الدجى |
|
كأن سنا البرق فيه استطارا (١) |
ونحن من الليل في حندس |
|
فما باله قد تجلّى نهارا (٢) |
وكان أبو الحسين بن جبير المترجم به قد نال بالأدب دنيا عريضة ، ثم رفضها وزهد فيها.
وقال صاحب «الملتمس» في حقه : الفقيه الكاتب أبو الحسين بن جبير ، ممن لقيته وجالسته كثيرا ورويت عنه ، وأصله من شاطبة ، وكان أبوه أبو جعفر من كتابها ورؤسائها ، ذكره ابن اليسع في تاريخه ، ونشأ أبو الحسين على طريقة أبيه ، وتولع بغرناطة ، فسكن بها ، قال : ومما أنشدنيه لنفسه قوله يخاطب أبا عمران الزاهد بإشبيلية : [بحر الوافر]
أبا عمران قد خلّفت قلبي |
|
لديك وأنت أهل للوديعه |
صحبت بك الزمان أخا وفاء |
|
فها هو قد تنمّر للقطيعه (٣) |
قال : وكان من أهل المروءات ، عاشقا في قضاء الحوائج ، والسعي في حقوق الإخوان ، والمبادرة لإيناس الغرباء ، وفي ذلك يقول : [بحر الرمل]
يحسب الناس بأني متعب |
|
في الشفاعات وتكليف الورى |
والذي يتعبهم من ذاك لي |
|
راحة في غيرها لن أفكرا |
وبودي لو أقضّي العمر في |
|
خدمة الطلاب حتى في الكرى (٤) |
قال : ومن أبدع ما أنشده رحمه الله تعالى أول رحلته : [الخفيف]
طال شوقي إلى بقاع ثلاث |
|
لا تشدّ الرحال إلا إليها |
إن للنفس في سماء الأماني |
|
طائرا لا يحوم إلا عليها |
قصّ منه الجناح فهو مهيض |
|
كلّ يوم يرجو الوقوع لديها (٥) |
وقال : [بحر المتقارب]
إذا بلغ العبد أرض الحجاز |
|
فقد نال أفضل ما أمّ له (٦) |
فإن زار قبر نبي الهدى |
|
فقد أكمل الله ما أمّله |
__________________
(١) استطار : انتشر والسنا : الضوء.
(٢) الحندس : الظلمة الشديدة.
(٣) تنمر : أصبح كالثمر ، وأراد تنكر وغدر.
(٤) الكرى : النوم.
(٥) الجناح المهيض : المسكور مرة بعد مرة.
(٦) أم له : قصد.