وجرت له في صغره حكاية دلت على نبله ، وهي أنه دخل على الطلبة رجل وهم بجامع غرناطة فسألهم عمن كان وراء إمام ، فحدث للإمام عذر ذهب لأجله ، مثل الرعاف مثلا ، فصلوا بعض الصلاة لأنفسهم ، ثم اقتدوا بإمام منهم قدموه فيما بقي ، فهل تصح صلاتهم أم لا؟ فلم يكن عند أحد من الحاضرين فيها علم ، فقال هو : إن الصلاة باطلة ، لأن النحاة يقولون : الإتباع بعد القطع لا يجوز.
وقد حكى ذلك في شرحه للجروميّة الذي سماه بعنوان الإفادة في باب النعت إذ قال ما نصه : كنت جالسا بمسجد قيسارية غرناطة أنتظر سيدنا وشيخنا أبا الحسن علي بن سمعة رحمه الله تعالى مع جماعة من كبار طلبته ، وكنت إذ ذاك أصغرهم سنا وأقلهم علما ، فدخل سائل سأل عن مسألة فقهية نصها : إن إماما صلى بجماعة جزءا من صلاة ، ثم غلب عليه الحدث ، فخرج ولم يستخلف عليهم (١) ، فقام كل واحد من الجماعة وصلى وحده جزءا من الصلاة ، ثم بعد (٢) ذلك استخلفوا من أتم بهم الصلاة ، فهل تصح تلك الصلاة أم لا؟ فلم يكن فيها عند الحاضرين جواب ، فقلت : أنا أجاوب فيها بجواب نحوي ، فقال : هات الجواب ، فقلت : هذا إتباع بعد القطع ، وهو ممتنع عند النحويين ، فصلاة هؤلاء باطلة ، فاستظرفها مني من حضر لصغر سني ، ثم طلبنا النص فيها فلم نلقه في ذلك التاريخ ، ولو لقيناه لكان حسنا ، انتهى.
ومن ألغازه قوله : [بحر الرجز]
حاجيتكم نحاتنا المصرية |
|
أولي الذكا والعلم والطعميه (٣) |
ما كلمات أربع نحويه |
|
جمعن في حرفين للأحجيه |
يعني فعل الأمر للواحد من «وأى يئي» إذا أضمر ، فإنك تقول فيه : إيا زيد على حرف واحد ، وهو الهمزة المقطوعة ، فإذا قلت «قل إ» ونقلت حركته على لغة النقل إلى الساكن صار هكذا «قل» فذهب فعل الأمر وفاعله ، فهي كلمات أربع فعلا أمر وفاعلاهما جمعن في حرفين القاف واللام ، فافهم.
وأحسن من هذا قوله ملغزا في ذلك أيضا : [بحر الرجز]
في أي لفظ يا نحاة الملة |
|
حركة قامت مقام الجملة |
__________________
(١) في ه : «فخرج ولم يستخلف لهم».
(٢) في ه : «ثم من بعد ذلك استخلفوا».
(٣) حاجى : طرح الأحاجي ، أي الألغاز.