قال ابن بسام (١) : وما أظنّ أحدا يجترئ على مثل هذا ، وإنما صاعد اشترط أن لا يأتي إلّا بالغريب غير المشهور ، وأعانهم على نفسه بما كان يتنفّق به (٢) من الكذب.
وحكى ابن خلكان (٣) أن المنصور أثابه على كتاب «الفصوص» بخمسة آلاف دينار! ومن أعجب ما جرى له أنه كان بين يدي المنصور ، فأحضرت إليه وردة في غير وقتها لم يستتمّ فتح ورقها ، فقال فيها صاعد مرتجلا : [بحر المتقارب]
أتتك أبا عامر وردة |
|
يذكرك المسك أنفاسها |
كعذراء أبصرها مبصر |
|
فغطّت بأكمامها راسها |
فسرّ بذلك المنصور ، وكان ابن العريف حاضرا ، فحسده ، وجرى إلى مناقضته ، وقال لابن أبي عامر : هذان البيتان لغيره ، وقد أنشدنيهما بعض البغداديين لنفسه بمصر (٤) ، وهما عندي على ظهر كتاب بخطّه ، فقال له المنصور : أرنيه ، فخرج ابن العريف ، وركب وحرّك دابته حتى أتى مجلس ابن بدر ، وكان أحسن أهل زمانه بديهة ، فوصف له ما جرى ، فقال هذه الأبيات ودسّ فيها بيتي صاعد : [بحر المتقارب]
عدوت إلى قصر عبّاسة |
|
وقد جدّل النوم حرّاسها (٥) |
فألفيتها وهي في خدرها |
|
وقد صرع السكر أناسها (٦) |
فقالت : أسار على هجعة؟ |
|
فقلت : بلى ، فرمت كاسها |
ومدّت يديها إلى وردة |
|
يحاكي لك الطّيب أنفاسها |
كعذراء أبصرها مبصر |
|
فغطّت بأكمامها راسها |
وقالت : خف الله لا تفضحن |
|
ن في ابنة عمّك عبّاسها |
فولّيت عنها على غفلة |
|
وما خنت ناسي ولا ناسها (٧) |
__________________
(١) انظر الذخيرة ٤ / ١ : ٨.
(٢) يتنفق به : يروج به.
(٣) وفيات الأعيان ٢ / ١٨١.
(٤) في ب : بعض البغداديين بمصر لنفسه.
(٥) جدل النوم حراسها : أي ألقاهم نوّما صرعى. وقد ورد في الذخيرة وفي ب : «عشوت إلى قصر عباسة».
(٦) كذا في ب ، وفي الذخيرة. وهي جمع آنس. وفي أ«آناسها» جمع أنس.
(٧) في الذخيرة «فولّيت عنها على عفة».