إلى أصداغهم ـ حسبما عليه اليوم الخدم الخصية والجواري. هوت إليه أفئدتهم ، واستحسنوه.
وممّا سنّه لهم استعمال المرتك المتّخذ من المرداسنج لطرد ريح الصنان من مغابنهم (١) ، ولا شيء يقوم مقامه ، وكانت ملوك الأندلس تستعمل قبله ذرور الورد وزهر الريحان وما شاكل ذلك من ذوات القبض والبرد ، فكانوا لا تسلم ثيابهم من وضر (٢) ، فدلّهم على تصعيدها بالملح ، وتبييض لونها ، فلما جرّبوه أحمدوه جدّا.
وهو أول من اجتنى بقلة الهليون المسمّاة بلسانهم الإسفراج ، ولم يكن أهل الأندلس يعرفونها قبله.
وممّا اخترعوه من الطبيخ اللون المسمى عندهم بالتفايا (٣) ، وهو مصطنع بماء الكزبرة الرطبة محلّى بالسنبوسق والكباب ، ويليه عندهم لون التقلية المنسوبة إلى زرياب.
وممّا أخذه عنه الناس بالأندلس تفضيله آنية الزجاج الرفيع على آنية الذهب والفضّة ، وإيثاره فرش أنطاع الأديم (٤) الليّنة الناعمة على ملاحف الكتّان ، واختياره سفر الأديم لتقديم الطعام فيها على الموائد الخشبية إذ الوضر يزول عن الأديم بأقلّ مسحة ، ولبسه كلّ صنف من الثياب في زمانه الذي يليق به ، فإنه رأى أن يكون ابتداء الناس للباس البياض وجعلهم (٥) للملوّن من يوم مهرجان أهل البلد المسمّى عندهم بالعنصرة الكائن في ست بقين من شهر يونيه الشمسي من شهورهم الرومية ، فيلبسونه إلى أول شهر أكتوبر الشمسي منها ثلاثة أشهر متوالية ويلبسون بقية السنة الثياب الملوّنة ، ورأى أن يلبسوا في الفصل الذي بين الحرّ والبرد المسمّى عندهم الربيع من مصبغهم جباب الخزّ والملحم والمحرّر والدّراريع (٦) التي لا بطائن لها لقربها من لطف ثياب البياض الظهائر التي ينتقلون إليها لخفتها وشبهها بالمحاشي ، ثياب العامة ، وكذا رأى أن يلبسوا في آخر الصيف وعند أول الخريف المحاشي المروية والثياب المصمتة وما شاكلها من خفائف الثياب الملونة ذوات الحشو والبطائن الكثيفة ، وذلك عند قرص البرد في الغدوات ، إلى أن يقوى البرد فينتقلون إلى أثخن منها من الملونات ، ويستظهرون من تحتها إذا احتاجوا إلى صنوف الفراء.
__________________
(١) المغابن : جمع مغبن ، وهو كل مكان يكثر فيه العرق من الجسد كالإبط.
(٢) الوضر : الوسخ.
(٣) في أ : «بالنقابا». والتفايا : من بسائط الأطعمة ، وهي أنواع.
(٤) أنطاع : جمع نطع ، وهو بساط من جلد. والأديم الجلد.
(٥) في ب : «وخلعهم للملون».
(٦) الدراريع : جمع درّاعة ـ بضم الدال ـ وهي جبة من صوف مشقوقة المقدم.