يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة ، ٢٢٨] (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة ، ٢٣٣] ؛ فيتربصن ويرضعن : فعلان مضارعان في موضع رفع ؛ لخلوهما من الناصب والجازم ، ولكنهما لما اتّصلا بنون النسوة بنيا على السكون.
وهذان الفعلان خبريّان لفظا طلبيّان معنى ومثلهما «يرحمك الله» وفائدة العدول بهما عن صيغة الأمر التوكيد والإشعار بأنهما جديران بأن يتلقّيا بالمسارعة ؛ فكأنّهن امتثلن ؛ فهما مخبر عنهما بموجودين.
الثاني : الماضي المتصل بضمير رفع متحرك (١) ، نحو : «ضربت» و «ضربت» و «ضربت» و «ضربنا زيدا» ، والأصل فيه ضرب بالفتح ؛ فاتصل الفعل بالضمير المرفوع المتحرك ـ وهو التاء في المثل الثلاثة الأول ؛ لأنها فاعل ، و «نا» في المثال الرابع ـ وهما متحركان ، وأعني بذلك أن التاء متحركة والحرف المتصل بالفعل من «نا» ـ وهو النون ـ متحرك ؛ فلذلك بنيت الأمثلة على السكون.
واحترزت بتقييد الضمير بالرفع من ضمير النصب ؛ فإنه يتصل بالفعل ولا يغيّره عن بنائه على الفتح الذي هو الأصل فيه ، نحو : «ضربك زيد» و «ضربنا زيد» ، وبتقييده بالمتحرك من الضمير المرفوع الساكن ، نحو : «ضربا» و «ضربوا» فإنه لا يقتضي سكون الفعل أيضا ، بل يبقى آخر الفعل فيه قبل الألف مفتوحا ويضم قبل الواو كما مثلنا ، وأما نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة ، ١٦] ونحو : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان ، ١٣] فالأصل اشتريوا بياء مضمومة قبل الضمير الساكن ، ودعووا بواوين أولاهما مضمومة قبل [الضمير] الساكن ، ثم تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفين ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ، ومعنى «دعوا هنالك ثبورا» قالوا : يا ثبوراه ، أي : يا هلاكاه.
__________________
(١) أما بناء الماضي المتصل بنون النسوة فلأن الأصل في الأفعال البناء ، وأما بناؤه على السكون فله سببان أولهما أن الأصل في البناء أن يكون على السكون ، والثاني الفرار من توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة ، لأن الماضي الثلاثي متحرك الحروف كلها فلو بقي آخره متحركا واتصل بالضمير المتحرك توالي أربع متحركات في شبه الكلمة الواحدة لأن الفعل والفاعل لشدة ترابطهما واستدعاء كل منهما للآخر يشبهان الكلمة الواحدة ، والعرب تستثقل ذلك.