ولو كان فاعل نعم وبئس مضمرا وجب فيه ثلاثة أمور ؛ أحدها : أن يكون مفردا ، لا مثنى ولا مجموعا ، مستترا لا بارزا ، مفسرا بتمييز بعده ، كقولك : نعم رجلا زيد ، ونعم رجلين الزّيدان ، ونعم رجالا الزّيدون ، وقول الشاعر :
٧٠ ـ نعم امرأ هرم لم تعر نائبة |
|
إلّا وكان لمرتاع بها وزرا |
______________________________________________________
٧٠ ـ هذا بيت من البسيط ، وقد زعم قوم أنه من كلام زهير بن أبي سلمى المزني من قصيدة له يمدح فيها هرم بن سنان المري ، اغترارا بذكر اسم هرم فيه ، مع أن زهيرا كان كثير المدح لهرم بن سنان المري ، ولم أجد البيت في إحدى نسخ ديوان زهير بن أبي سلمى التي بين يدي على اختلاف رواتها وشراحها.
اللّغة : «لم تعر» أي لم تنزل ، «لمرتاع» أي فزع ، خائف ، «وزرا» أي ملجأ وحصنا ، يريد أنه يدفع عنهم آثار نوائب الدهر بإحساناته إليهم.
الإعراب : «نعم» فعل ماض دال على إنشاء المدح ، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى امرأ الآتي ، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم ، «امرأ» تمييز ، «هرم» مبتدأ مؤخر ، «لم» نافية جازمة ، «تعر» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف الواو والضمة قبلها دليل عليها ، «نائبة» فاعل تعر ، «إلا» أداة استثناء ، «وكان» الواو واو الحال ، كان : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى هرم ، «لمرتاع» جار ومجرور متعلق بقوله وزرا الآتي ، «بها» جار ومجرور متعلق بقوله مرتاع ، «وزرا» خبر كان منصوب بالفتحة الظاهرة ، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل نصب حال ، وهذا الحال في المعنى مستثنى من عموم الأحوال ، ألست ترى أن معنى الكلام : لم تعر الناس نائبة في حال من الأحوال إلا في الحال التي يكون هرم فيها وزرا للمرتاعين بها؟
الشّاهد فيه : قوله «نعم امرأ هرم» فإن نعم فعل ماض فيه ضمير مستتر ، ومرجعه هو قوله «امرأ» الذي وقع تمييزا مفسرا لهذا الضمير لإبهامه ، فعاد الضمير هنا على متأخر لفظا ورتبة ، أما تأخره لفظا
__________________
والشرط الثالث : أن تكون النكرة مما يقبل أل ؛ فخرج بذلك لفظ «مثل» ولفظ «غير» ونحوهما مما هو متوغل في التنكير ولا يقبل أل ، بناء على ما ذهب إليه كثير من النحاة.
والشرط الرابع : أن يؤخر هذا التمييز عن الفعل الذي هو بئس أو نعم ؛ فلا يصح تقديمه عليهما.
والشرط الخامس : أن يقدم هذا التمييز عن المخصوص بالمدح أو الذم : فلا يجوز أن يؤخر عنه.
والمثال الجامع لهذه الشروط هو ما ذكره المؤلف من قوله «نعم رجلا زيد» وقد اكتفى بذلك المثال المستوفي لكل هذه الشروط عن ذكر هذه الشروط.