والجملة التي هي «تحسب» وما بعدها في موضع رفع خبر المبتدأ ، والعائد على المبتدأ الهاء المتصلة بأنّ ، وإنما يصف الشاعر بقرة وحش بالتبلّد وأنها لا تدري على أي شيء تقدم ، ولا بدّ من تقدير واو حال قبل «كلا» فكأنه قال : فغدت هذه
______________________________________________________
اللّغة : «عفت» درست وذهبت معالمها ، وهو هنا لازم ، وقد يأتي متعديا ، «الديار» جمع دار ، «محلها» هو بدل من الديار ، وهو موضع حلول أهليها : أي نزولهم وسكناهم ، «فمقامها» بضم الميم ـ موضع إقامتهم ، «تأبد» توحش ، «غولها» قيل : هو جبل ، وقيل : هو اسم ماء معروف عندهم ، «فعدت» يروى بالغين المعجمة ـ من الغدو. ويروى بالعين المهملة من العدو ، وهو شدة الجري ، «الفرجين» مثنى فرج ، وهو الثغرة في الجبل ، «مولى المخافة» أي الموضع الذي فيه المخافة : أي الخوف.
المعنى : يصف بقرة من بقر الوحش سمعت صوت الصيادين فأخذت تعدو في الجبل ، وهي كلما ذهبت إلى طريق حسبت أنه المكان الذي تجد فيه الصيادين ، سواء في ذلك الطريق الذي أمامها والطريق خلفها. الإعراب : «فغدت» الفاء حرف عطف ، غدا : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى بقرة الوحش ، «كلا» مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وكلا مضاف و «الفرجين» مضاف إليه ، «تحسب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى البقرة أيضا ، «أنه» أن : حرف توكيد ونصب ، والهاء ضمير الغائب العائد إلى كلا الفرجين اسم أن ، «مولى» خبر أن مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، ومولى مضاف و «المخافة» مضاف إليه ، وأن واسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي تحسب ، وجملة تحسب مع فاعله ومفعوليه في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو كلا ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال على تقدير الواو ، «خلفها» خلف : بدل من كلا ، وبدل المرفوع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وخلف مضاف والضمير الذي للغائبة العائد إلى البقرة مضاف إليه ، «وأمامها» الواو عاطفة ؛ أمام : معطوف على خلف ، والمعطوف على المرفوع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وأمام مضاف والضمير الذي للغائبة مضاف إليه أيضا ، وفي هذا البيت أعاريب أخرى كثيرة أضربنا عنها صفحا ؛ لأنها لا تخلو من تكلفات بعيدة.
الشّاهد فيه : قوله «أمامها» فإن الرواية قد وردت برفعه ؛ بدليل أن هذه القصيدة ميمية مرفوعة القوافي ، ورفعه على أنه معطوف على خلفها الذي هو بدل من «كلا» الذي هو مبتدأ على ما علمت في إعراب البيت ؛ فدل ذلك على أن «أمام» من الظروف المتصرفة : أي التي تخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن ، إلى التأثر بالعوامل ؛ فتكون أحيانا مرفوعة بعامل من العوامل التي تقتضي الرفع كما هنا ، ونحو ذلك.