وأقول : الخامس من المرفوعات : اسم كان وأخواتها الاثنتي عشرة المذكورة ، فإنهن يدخلن على المبتدأ والخبر ، فيرفعن المبتدأ ، ويسمى اسمهن حقيقة ، وفاعلهن مجازا ، وينصبن الخبر ، ويسمى خبرهن حقيقة ، ومفعولهن مجازا.
ثم هنّ في ذلك على ثلاثة أقسام :
(١) ما يعمل هذا العمل بلا شرط ، وهي ثمانية : كان وليس وما بينهما.
(٢) وما يشترط أن يتقدم عليه نفي أو شبهه ـ وهو النهي والدعاء ـ وهي أربعة : زال ، وبرح ، وفتئ ، وانفكّ ، نحو (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود ، ١١٨] (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه ، ٩١] وتقول : «لا تزل ذاكر الله» و «لا برح ربعك مأنوسا» ، و «لا زال جنابك محروسا» ويشترط في «زال» شرط آخر ، وهو أن يكون ماضي يزال ؛ فإن ماضي يزول فعل تامّ قاصر بمعنى الذهاب والانتقال ، نحو : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر ، ٤١] ، و «إن» الأولى في الآية شرطية ، والثانية نافية ، وماضي يزيل فعل تام متعدّ بمعنى ماز يميز ، يقال : زال زيد ضأنه من معز فلان : أي ميّزه منه.
(٣) وما يشترط أن يتقدم عليه «ما» المصدرية النائبة عن ظرف الزمان (١) وهو «دام» وإلى ذلك أشرت بالتمثيل بالآية الكريمة ، كقوله سبحانه وتعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم ، ٣١] أي مدّة دوامي حيّا ؛ فلو قلت : «دام زيد
__________________
(١) تسمى «ما» هذه المصدرية الوقتية ؛ أما وجه تسميتها بالمصدرية فلأنها تؤول مع صلتها بمصدر ، وهو الدوام ، وأما تسميتها بالوقتية فلنيابتها مع صلتها عن الوقت ، وهو المدة ، وهي تفيد توقيت دوام ثبوت الخبر للمبتدأ بمدة.
ومما ينبغي أن تتنبه له أن «ما» كلما كانت وقتية فهي مصدرية ألبتة ، ولا يلزم من أن تكون مصدرية أن تكون وقتية ، بل قد تكون مصدرية فقط ، نحو مثال الشارح ، ونحو قول الشاعر :
يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي |
|
وكان ذهابهنّ له ذهابا |
ومما ينبغي أن تتنبه له أيضا أنه لا يلزم من وجود «ما» المصدرية الظرفية قبل «دام» وجوب إعمال «دام» عمل كان ، بل قد تدخل «ما» هذه على «دام» ولا تعمل لكون دام تامة ، لا ناقصة ، وذلك كما في قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [سورة هود ، ١٠٨] ، ولكن المراد هنا أنه لا يجوز أن تعمل «دام» عمل كان إلا إذا سبقتها «ما» المصدرية الظرفية ، فكلما كانت دام عاملة عمل كان فإن «ما» المصدرية الوقتية تكون سابقة عليها.