مثال ذلك قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة ، ١٩] فالحذر : مصدر مستوف لما ذكرنا ؛ فلذلك انتصب على المفعول له ، والمعنى لأجل حذر الموت.
ومتى دلّت الكلمة على التعليل وفقد منها شرط من الشروط الباقية فليست مفعولا له ، ويجب حينئذ أن تجرّ بحرف التعليل (١).
فمثال ما فقد المصدرية قولك : جئتك للماء وللعشب ، وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة ، ٢٩] وقول امرئ القيس :
١٠٨ ـ ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال |
ومثال ما فقد الاتّحاد في الزمان قولك : جئتك اليوم للسفر غدا ، وقول امرئ القيس أيضا :
______________________________________________________
١٠٨ ـ هذا بيت من الطويل لامرئ القيس بن حجر الكندي ، من قصيدته التي مطلعها :
ألّا عم صباحا أيّها الطّلل البالي |
|
وهل يعمن من كان في العصر الخالي |
وقد أنشده المؤلف في القطر (رقم ٨١) وأنشد عجزه الأشموني (رقم ٤٠٧).
الإعراب : «لو» حرف امتناع لامتناع ، «أن» حرف توكيد ونصب ، «ما» مصدرية ، «أسعى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وما مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب اسم أن ، «لأدنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع فاعل بفعل محذوف ، وتقدير الكلام : ولو ثبت كون سعيي ... إلخ ، وأدنى مضاف و «معيشة» مضاف إليه ، «كفاني» كفى : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، «ولم» الواو عاطفة ، ولم : نافية جازمة ، «أطلب» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وله مفعول محذوف يرشد إليه معنى الكلام ، «قليل» فاعل كفى ، «من المال» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقليل ، وتقدير الكلام : لو ثبت كون سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ، ولم أطلب الملك.
الشّاهد فيه : قوله «لأدنى» فإن اللام الداخلة على أدنى دالة على التعليل ، لكن لا يقال إن هذا من
__________________
(١) الحروف الدالة على التعليل هي : اللام ، ومن ، وفي ، والكاف ، والباء ، نحو قوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) وقوله : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) وقوله : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وقوله : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) وقد مثل المؤلف للام.