بالألف واللام ، كقولهم : «ادخلوا الأوّل فالأوّل» و «أرسلها العراك» (١) ، و «جاؤوا الجمّاء الغفير» (٢) أي : جميعا ، وأل في ذلك كله زائدة ، وقد تأتي بلفظ المعرّف بالإضافة ، كقولهم : «اجتهد وحدك» أي : منفردا ، و «جاؤوا قضّهم بقضيضهم» (٣) : أي جميعا (٤).
وقد تأتي بلفظ المعرف بالعلميّة ، كقولهم : «جاءت الخيل بداد» أي : متبدّدة
__________________
(١) وقعت هذه الكلمة قطعة في بيت من الوافر ، وهو قول لبيد بن ربيعة العامري :
فأرسلها العراك ولم يذدها |
|
ولم يشفق على نغص الدّخال |
يصف هذا الشاعر حمار وحش ألجأ أتنه إلى أن ترد الماء مجتمعة يدفع بعضها بعضا ؛ فالضمير المستتر في «أرسلها» للحمار ، والبارز للأتن ، والعراك : أي معتركة يدفع بعضها بعضا ، ولم يذدها : أي لم يمنعها عن ذلك الاعتراك ، ونغص الدخال : أي تنغصها من مداخلة بعضها في بعض بسبب ازدحامها على الماء طلبا للشرب ، ومحل الاستشهاد قوله : «العراك» فإنه مصدر مقترن بأل ، ففيه شيئان كل واحد منهما خلاف الأصل في الحال ، الأول كونه مصدرا مع أن الأصل أن تكون الحال وصفا ، والثاني كونه معرفة بدخول الألف واللام عليه مع أن الأصل في الحال أن تكون نكرة.
(٢) يقال : جاء القوم الجماء الغفير ، ويقال أيضا : جاؤوا جماء غفيرا ، بالتنكير في الصفة والموصوف جميعا ، ويقال أيضا : جاؤوا جماء الغفير ، بالإضافة ، ويقال أيضا : جاؤوا جم الغفير ، بالإضافة أيضا : ويقال أيضا : جاؤوا الجم الغفير ، بالوصف ، والجماء ـ بفتح الجيم وتشديد الميم ـ وصف من الجموم ، وهو الكثرة ، ومنه قوله سبحانه : (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر ، ٢٠] ، وإنما أنثوا الجماء لأنه في الأصل وصف لمؤنث ، كان أصل الكلام : جاء القوم الجماعة الجماء ، والغفير : فعيل بمعنى فاعل من الغفر ، وهو الستر ، وصفت الجماعة الكثيرة من الناس بذلك لأنهم يسترون وجه الأرض ، وكان حق الكلام أن يقال : جاؤوا الجماعة الغفيرة ، لأن فعيلا إذا كان بمعنى فاعل تلحقه تاء التأنيث إذا كان الموصوف به مؤنثا ، إلا أنهم ربما حذفوا التاء تشبيها لفعيل بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول في عدم لحاق التاء مع المؤنث ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في بعض التخريجات ، وكما قالوا : ريح خريق.
(٣) القض في الأصل : مصدر بمعنى الكسر ، والمراد به ههنا معنى اسم الفاعل ، والباء في قولهم «بقضيضهم» بمعنى مع ، فيصير حل العبارة : جاؤوا قاضهم مع قضيضهم : أي كاسرهم مع مكسورهم ، ولو رفعت «قضهم» لجاز أن يكون بدلا من واو الجماعة في «جاؤوا» أو مبتدأ خبره الجار والمجرور ، والجملة حال.
(٤) أشار المؤلف بقوله «أي جميعا» في هذا الموضع وفي الموضع السابق وغيره مما ذكره من التأويل بنكرة إلى أنه يختار أن الحال إذا وقعت في كلام العرب معرفة فهي على التأويل بنكرة ، وهذا مذهب جمهور البصريين الذين يوجبون أن تكون الحال نكرة ، وفي المسألة قولان آخران : أحدهما قول يونس بن حبيب شيخ سيبويه وجمهور البغداديين ، وحاصله أنه يجوز مجيء الحال معرفة مطلقا ، نعني سواء أكانت في معنى الشرط أم لم تكن ، وثانيهما وهو قول جمهور الكوفيين ، وحاصله أنه يجوز مجيء الحال معرفة إذا كانت بمعنى الشرط ، نحو قولك : محمد الراكب أوجه منه الماشي ـ بنصب كل من الراكب والماشي ـ وهو بمعنى إذا ركب وإذا مشى.