فإن قلت : فأين اسمها؟
قلت : مستتر فيهما وجوبا ، وهو عائد على البعض المفهوم من الكل السابق ، وكأنه قيل : ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا ، ومثله قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) [النساء ، ١١] أي : فإن كانت البنات ، وذلك لأن الأولاد قد تقدم ذكرهم ، وهم شاملون للذكور والإناث ، فكأنه قيل أولا : يوصيكم الله في بنيكم وبناتكم ، ثم قيل : فإن كنّ ، وكذلك هنا (١).
الثالثة : أن تكون الأداة «ما خلا» كقولك : جاء القوم ما خلا زيدا ، وقول لبيد بن ربيعة العامري الصحابي :
١٢٢ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل |
|
وكلّ نعيم لا محالة زائل |
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «من سيد» فإن دخول من في هذه العبارة يدل على أن النكرة الواقعة بعدها تمييز ، لا حال ؛ إذ كان التمييز هو الذي يكون على معنى من ، وأما الحال فهو على معنى في ؛ فيكون قول من قال إن «جارة» في البيت السابق حال باطلا.
١٢٢ ـ هذا بيت من الطويل من كلام لبيد بن ربيعة العامري ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٦٧) وفي القطر (رقم ١١).
__________________
(١) اعلم أولا أنه لا خلاف بين النحويين في أن المستثنى بليس ولا يكون واجب النصب ، ولا في أن هذا المنصوب خبرهما ، ولا في أن اسمهما واجب الاستتار ؛ ليكون ما بعدهما في صورة المستثنى بعد إلا ، ولأنه لو برز لكان ضميرا منفصلا فيقع بعد أداة الاستثناء ويفصل به بين الأداة الضعيفة وبين المستثنى بها ، وذلك لا يجوز ، فالإجماع منعقد على هذه الأمور الثلاثة ، والخلاف بينهم في مرجع هذا الضمير ؛ فالجمهور على أنه يعود على البعض المفهوم من كله السابق على ما بينه الشارح ، وهذا هو الصحيح ، ومن العلماء من قال : الضمير عائد على الوصف المفهوم من الفعل السابق ؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : قام القوم ليس هو ـ أي القائم ـ زيدا ، وإذا قلت «أكرمت القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : أكرمت القوم ليس هو ـ أي المكرم ـ زيدا ؛ فالقائم اسم فاعل فهم من قام السابق ، والمكرم اسم مفعول فهم من أكرمت السابق ، وقال بعضهم : الضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق ، والفعل في هذه العبارة هو المصدر ؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : قام القوم ليس هو ـ أي الفعل ـ فعل زيد ، أي ليس القيام قيام زيد ـ وقد حذف المضاف قبل المستثنى ، وهذان الرأيان ضعيفان ؛ لهذا لم يتعرض الشارح لهما.