فالياء في موضع نصب ؛ بدليل لحاق نون الوقاية قبلها ، وحكى الجرميّ ، والرّبعيّ ، والأخفش الجرّ بعد ما خلا وما عدا ، وهو شاذ ؛ فلهذا لم أحفل بذكره في المقدمة.
فإن قلت : لم وجب عند الجمهور النصب بعد «ما خلا» و «ما عدا»؟ وما وجه الجر الذي حكاه الجرمي والرجلان؟
قلت : أما وجوب النصب فلأن «ما» الداخلة عليهما مصدرية ، و «ما» لا تدخل إلا على الجملة الفعلية ، وأما جواز الخفض فعلى تقدير «ما» زائدة لا مصدرية ، وفي ذلك شذوذ ؛ فإن المعهود في زيادة «ما» مع حرف الجر : أن لا تكون قبل الجار والمجرور ، بل بينهما ، كما في قوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون ، ٤٠] (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة ، ١٣] (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ، ٢٥].
وقولي «مطلقا» (١) راجع إلى المسائل الأربع ، أي : سواء تقدّم الإيجاب أو النفي أو شبهه.
الخامسة : أن تكون الأداة «إلا» وذلك في مسألتين :
إحداهما : أن تكون بعد كلام تام موجب ، ومرادي بالتام أن يكون المستثنى منه
______________________________________________________
منصوب بيهوى ، والتقدير : بكل الذي يهواه نديمي ، «مولع» خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشّاهد فيه : قوله «ما عداني» فإن عدا في هذا الموضع فعل.
والدليل على أن «عدا» ههنا فعل ـ وليست حرفا ـ أمران :
أولهما : سبقها بما المصدرية ، على النحو الذي قررناه في الشاهد السابق.
وثانيهما : مجيء نون الوقاية قبل ياء المتكلم ، وقد علم أن نون الوقاية لا تجيء إلا مع الأفعال ، نحو ضربني ويضربني واضربني ، فأما مع الحرف فإنها تمتنع إلا مع من وعن خاصة تقول : لي ، عليّ ، إليّ ؛ فلو أن الشاعر لحظ أن عدا حرف كهذه الحروف لقال «عداي» فلما قال «عداني» علمنا أنه اعتبره فعلا ، وهذا واضح إن شاء الله.
وإذا ثبت أن «عدا» فعل ، وكان من المسلم به أن فاعل هذا الفعل مستتر فيه وجوبا على ما سبق
__________________
(١) هو في قوله أول الباب «التاسع المستثنى بليس أو بلا يكون أو بما خلا أو بما عدا ـ مطلقا».