شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ)(١).
ومثال حذف أحدهما للدليل وبقاء الآخر قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران ، ١٨٠] أي بخلهم هو خيرا لهم ، فحذف المفعول الأول وأبقى ضمير الفصل والمفعول الثاني ، وقال عنترة :
١٩٦ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
مني بمنزلة المحبّ المكرم |
أي : فلا تظني غيره واقعا ، أو كائنا ، فحذف المفعول الثاني.
ولا يجوز لك أن تقول «علمت» أو «ظننت» مقتصرا عليه من غير دليل على الأصح ، ولا أن تقول «علمت زيدا» ولا «علمت قائما» وتترك المفعول الأول في هذا المثال والمفعول الثاني في الذي قبله من غير دليل عليهما ؛ أجمعوا على ذلك.
______________________________________________________
١٩٦ ـ هذا بيت من الكامل من كلام عنترة بن شداد العبسي ، أحد فرسان العرب وشعرائهم المجيدين في الجاهلية ، والبيت من معلقة له مشهورة ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٩٢) وابن عقيل (رقم ١٣٤) والأشموني (رقم ٤٣١).
الإعراب : «ولقد» الواو للقسم ، والمقسم به محذوف ، واللام واقعة في جواب القسم ، قد : حرف تحقيق ، «نزلت» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها جواب القسم ، «فلا» ناهية ، «تظني» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعله ، «غيره» غير : مفعول أول لتظن ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه ، والمفعول الثاني لتظن محذوف ، «مني» جار ومجرور متعلق بنزلت ، «بمنزلة» جار ومجرور متعلق بنزلت أيضا ، ومنزلة مضاف و «المحب» مضاف إليه «المكرم» صفة للمحب.
الشّاهد فيه : قوله «فلا تظني غيره» حيث حذف المفعول الثاني لتظن اختصارا ، مع قيام الدليل على ذلك المحذوف ، وتقدير الكلام : ولقد نزلت فلا تظني غيره واقعا ، وذلك الحذف جائز ، خلافا لابن ملكون.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٩٤ ـ وقد تلا المؤلف هذه الآية للاحتجاج على النحاة الذين قدروا المحذوف في قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) بقولهم : تزعمونهم شركاء ، وتلخيص احتجاجه عليهم أن تقديره خير من تقديرهم ، لوجهين ؛ الوجه الأول : أنهم عدوا «زعم» إلى مفعوليها بنفسها ، مع أن الكثير تعدي هذا الفعل إلى مفعوليه بواسطة أن المؤكدة وصلتها ، على ما سبق بيانه قريبا (انظر شرح الشاهد رقم ١٨٠). والوجه الثاني : أن القرآن قد جرى أسلوبه على ذلك ؛ فالأوفق لنظمه أن يقدر في مكان الحذف ما جرت عادته بذكره في الموطن الملائم.